هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةإتصل بناتكفير المخالفين لأهل السنة والجماعة Emptyأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تكفير المخالفين لأهل السنة والجماعة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سعد عنتر
Admin
سعد عنتر


ذكر
عدد المساهمات : 1368
نقاط : 3899
العمر : 32

تكفير المخالفين لأهل السنة والجماعة Empty
مُساهمةموضوع: تكفير المخالفين لأهل السنة والجماعة   تكفير المخالفين لأهل السنة والجماعة Icon_minitimeالخميس سبتمبر 09, 2010 3:24 am



تكفير المخالفين لأهل السنة والجماعة

القول في تكفير المخالفين لأهل السنة والجماعة على اختلاف مراتب بدعتهم، أو عدم تكفيرهم، أمر لم تخلُ منه كتب ومصنفات السلف رحمهم الله تعالى؛ لأهمية الأمر وعظمه وخطورته، فهو متعلق بديانة مسلم، والله يقول: ((وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)) [النساء:94]، ومن أجمع ما رأيت كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث يقول:

«وأما تعيين الفرق الهالكة فأقدم من بلغنا أنه تكلم في تضليلهم يوسف بن أسباط ثم عبد الله بن المبارك، وهما إمامان جليلان من أجلاء أئمة المسلمين، قالا: أصول البدع أربعة: الروافض، والخوارج، والقدرية، والمرجئة، فقيل لابن المبارك: والجهمية؟ فأجاب بأن أولئك ليسوا من أمة محمد، وكان يقول: إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية، وهذا الذي قاله اتبعه عليه طائفة من العلماء من أصحاب أحمد وغيرهم، قالوا: إن الجهمية كفار فلا يدخلون في الاثنتين والسبعين فرقة، كما لا يدخل فيهم المنافقون الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام وهم الزنادقة.

وقال آخرون من أصحاب أحمد وغيرهم: بل الجهمية داخلون في الاثنتين والسبعين فرقة، وجعلوا أصول البدع خمسة، فعلى قول هؤلاء يكون كل طائفة من المبتدعة الخمسة اثنا عشر فرقة، وعلى قول الأولين يكون كل طائفة من المبتدعة الأربعة ثمانية عشر فرقة.

وهذا يبنى على أصل آخر: وهو تكفير أهل البدع، فمن أخرج الجهمية منهم لم يكفرهم، فإنه لا يكفر سائر أهل البدع؛ بل يجعلهم من أهل الوعيد بمنزلة الفساق والعصاة، ويجعل قوله: (هم في النار) مثل ما جاء في سائر الذنوب، مثل أكل مال اليتيم وغيره، كما قال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا)) [النساء:10].

ومن أدخلهم فيهم فهم على قولين:

منهم من يكفرهم كلهم، وهذا إنما قاله بعض المستأخرين المنتسبين إلى الأئمة أو المتكلمين.

وأما السلف والأئمة فلم يتنازعوا في عدم تكفير المرجئة والشيعة المفضلة ونحو ذلك، ولم تختلف نصوص أحمد في أنه لا يكفر هؤلاء، وإن كان من أصحابه من حكى في تكفير جميع أهل البدع -من هؤلاء وغيرهم- خلافًا عنه أو في مذهبه، حتى أطلق بعضهم تخليد هؤلاء وغيرهم، وهذا غلط على مذهبه وعلى الشريعة.

ومنهم من لم يكفر أحدًا من هؤلاء، إلحاقًا لأهل البدع بأهل المعاصي، قالوا: فكما أن من أصول أهل السنة والجماعة أنهم لا يكفرون أحدًا بذنب، فكذلك لا يكفرون أحدًا ببدعة.

والمأثور عن السلف والأئمة إطلاق أقوال بتكفير الجهمية المحضة الذين ينكرون الصفات، وحقيقة قولهم أن الله لا يتكلم ولا يرى ولا يباين الخلق، ولا له علم ولا قدرة ولا سمع ولا بصر ولا حياة؛ بل القرآن مخلوق، وأهل الجنة لا يرونه كما لا يراه أهل النار، وأمثال هذه المقالات.

وأما الخوارج والروافض ففي تكفيرهم نزاع وتردد عن أحمد وغيره.

وأما القدرية الذين ينفون الكتابة والعلم فكفروهم، ولم يكفروا من أثبت العلم ولم يثبت خلق الأفعال»([1]).

إلا أن إطلاق التكفير على هذه الأصناف من المخالفين ينبغي أن يراعى فيه عدة أمور، من ذلك ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله خاتمًا وملخصًا هذه المسألة التي أشكلت على كثير من الناس، إذ يقول:

«وفصل الخطاب في هذا الباب بذكر أصلين: أحدهما: أن يعلم أن الكافر في نفس الأمر من أهل الصلاة لا يكون إلا منافقًا، فإن الله منذ بعث محمدًا وأنزل عليه القرآن وهاجر إلى المدينة صار الناس ثلاثة أصناف: مؤمن به، وكافر به مظهر الكفر، ومنافق مستخف بالكفر، ولهذا ذكر الله هذه الأصناف الثلاثة في أول سورة البقرة، ذكر أربع آيات في نعت المؤمنين، وآيتين في الكفار، وبضع عشر آية في المنافقين، وقد ذكر الله الكفار والمنافقين في غير موضع من القرآن؛ كقوله: ((وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ)) [الأحزاب:1]، وقوله: ((إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا)) [النساء:140]،وقوله: ((فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا)) [الحديد:15]، وعطفهم على الكفار ليميزهم عنهم بإظهار الإسلام، وإلا فهم في الباطن شر من الكفار، كما قال تعالى: ((إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ)) [النساء:145]، وكما قالSad(وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ)) [التوبة:84]، وكما قال: ((قُلْ أَنفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ * وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ)) [التوبة:53].

وإذا كان كذلك فأهل البدع فيهم المنافق الزنديق، فهذا كافر، ويكثر مثل هذا في الرافضة والجهمية؛ فإن رؤساءهم كانوا منافقين زنادقة، وأول من ابتدع الرفض كان منافقًا، وكذلك التجهم فإن أصله زندقة ونفاق، ولهذا كان الزنادقة المنافقون من القرامطة الباطنية المتفلسفة وأمثالهم يميلون إلى الرافضة والجهمية لقربهم منهم.

ومن أهل البدع من يكون فيه إيمان باطنًا وظاهرًا، لكن فيه جهل وظلم حتى أخطأ ما أخطأ من السنة، فهذا ليس بكافر ولا منافق، ثم قد يكون منه عدوان وظلم يكون به فاسقًا أو عاصيًا، وقد يكون مخطئًا متأولًا مغفورًا له خطؤه، وقد يكون مع ذلك معه من الإيمان والتقوى ما يكون معه من ولاية الله بقدر إيمانه وتقواه، فهذا أحد الأصلين.

والأصل الثاني: أن المقالة تكون كفرًا؛ كجحد وجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج، وتحليل الزنا والخمر والميسر، ونكاح ذوات المحارم، ثم القائل بها قد يكون بحيث لم يبلغه الخطاب، وكذا لا يكفر به جاحده، كمن هو حديث عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة لم تبلغه شرائع الإسلام، فهذا لا يحكم بكفره بجحد شيء مما أنزل على الرسول إذا لم يعلم أنه أنزل على الرسول، ومقالات الجهمية هي من هذا النوع، فإنها جحد لما هو الرب تعالى عليه، ولما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم »([2]).

فيجب التفريق بين الكفر والكافر.. فليس كل من تلبس بالكفر وقع الكفر عليه، وكذا ليس كل من وقع في البدعة وقعت البدعة عليه. فالتكفير العام لا يلزم منه تكفير المعين، والتبديع العام لا يلزم منه تبديع المعين، قال شيخ الإسلام رحمه الله:

«وحقيقة الأمر في ذلك: أن القول قد يكون كفرًا، فيطلق القول بتكفير صاحبه، ويقال: من قال كذا فهو كافر، لكن الشخص المعين الذي قاله لا يحكم بكفره، حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها»([3]).

وقال رحمه الله أيضًا:

«وتكفير الجهمية مشهور عن السلف والأئمة، لكن ما كان يكفر أعيانهم، فإن الذي يدعو إلى القول أعظم من الذي يقول به، والذي يعاقب مخالفه أعظم من الذي يدعو فقط، والذي يكفر مخالفه أعظم من الذي يعاقبه، ومع هذا فالذين كانوا من ولاة الأمور يقولون بقول الجهمية: أن القرآن مخلوق، وأن الله لا يرى في الآخرة، وغير ذلك، ويدعون الناس إلى ذلك، ويمتحنونهم، ويعاقبونهم إذا لم يجيبوهم، ويكفرون من لم يجبهم، حتى إنهم كانوا إذا أمسكوا الأسير لم يطلقوه حتى يقر بقول الجهمية: أن القرآن مخلوق، وغير ذلك، ولا يولون متوليًا ولا يعطون رزقًا من بيت المال إلا لمن يقول ذلك، ومع هذا فالإمام أحمد رحمه الله ترحم عليهم، واستغفر لهم؛ لعلمه بأنهم لم يبين لهم أنهم مكذبون للرسول، ولا جاحدون لما جاء به، ولكن تأولوا فأخطأوا، وقلدوا من قال لهم ذلك. وكذلك الشافعي لما قال لحفص الفرد حين قال: القرآن مخلوق: كفرت بالله العظيم، بين له أن هذا القول كفر، ولم يحكم بردة حفص بمجرد ذلك؛ لأنه لم يتبين له الحجة التي يكفر بها، ولو اعتقد أنه مرتد لسعى في قتله، وقد صرح في كتبه بقبول شهادة أهل الأهواء، والصلاة خلفهم»([4]).

ويجمع لنا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ضوابط عدم الحكم بتكفير المتأول في الدين من المخالفين فيقول:

«فمن كان قد آمن بالله ورسوله، ولم يعلم بعض ما جاء به الرسول، فلم يؤمن به تفصيلًا، إما أنه لم يسمعه، أو سمعه من طريق لا يجب التصديق بها، أو اعتقد معنى آخر لنوع من التأويل الذي يعذر به، فهذا قد جعل فيه من الإيمان بالله وبرسوله ما يوجب أن يثيبه الله عليه، وما لم يؤمن به فلم تقم عليه به الحجة التي يكفر مخالفها»([5]).

ويقول ابن حزم رحمه الله: «فصح أنه لا يكفر أحد حتى يبلغه أمر النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن بلغه فلم يؤمن به فهو كافر، فإن آمن به ثم اعتقد ما شاء الله تعالى أن يعتقده في نحلة، أو فتيا، أو عمل ما شاء الله تعالى أن يعمله، دون أن يبلغه في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بخلاف ما اعتقد، أو قال، أو عمل، فلا شيء عليه أصلًا حتى يبلغه؛ فإن بلغه وصح عنده فإن خالفه مجتهدًا فيما لم يبن له وجه الحق في ذلك فهو مخطئ معذور مأجور مرة واحدة، كما قال عليه السلام: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد)([6])»([7]).

وقد أوضح هذه القاعدة الشيخ حافظ حكمي رحمه الله، وذلك حينما تكلم على أهل البدع المكفرة كالجهمية والقائلين بخلق القرآن، فقال: «ولكن هؤلاء منهم من علم أن عين قصده هدم قواعد الدين وتشكيك أهله فيه، فهذا مقطوع بكفره، بل هو أجنبي عن الدين من أعدى عدو له، وآخرون مغررون ملبس عليهم، فهؤلاء إنما يحكم بكفرهم بعد إقامة الحجة عليهم، وإلزامهم بها»([8]).

* وأما المجتهد المخطئ فلأهل السنة طريقة في التعامل معه تختلف عن طريقة تعاملهم مع من استبان أنه من أهل الأهواء، يقول شيخ الإسلام في بيان منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع المخطئ المجتهد:

«ولم يقل أحد من السلف والصحابة والتابعين أن المجتهد الذي استفرغ وسعه في طلب الحق يأثم، لا في الأصول ولا في الفروع»([9]).

والمنفي هنا الإثم مع اجتهاده، لا إقراره على خطئه.. فتنبه رعاك الله!! إذ أن الحكم بالتأثيم لا بد فيه من التثبت والتيقن، بخلاف التنبيه على الخطأ؛ فإنه يكتفى فيه بصدور الخطأ، ولهذا فرق شيخ الإسلام بين مقام التأثيم والجرح ورد الشهادة، وبين مقام تبيين الخطأ والتحذير منه، فقال رحمه الله:

«ما يجرح به الشاهد وغيره مما يقدح في عدالته ودينه، فإنه يشهد به إذا علمه الشاهد به بالاستفاضة، ويكون ذلك قدحًا شرعيًا، كما صرح بذلك طوائف الفقهاء من المالكية والشافعية والحنبلية، وغيرهم، في كتبهم الكبار والصغار، صرحوا فيما إذا جرح الرجل جرحًا مفسدًا أنه يجرحه الجارح بما سمعه منه، أو رآه، واستفاض، وما أعلم في هذا نزاعًا بين الناس، فإن المسلمين كلهم يشهدون في وقتنا في مثل عمر بن عبد العزيز والحسن البصري وأمثالهما من أهل العدل والدين بما لم يعلموه إلا بالاستفاضة، ويشهدون في مثل الحجاج بن يوسف، والمختار بن أبي عبيد، وعمرو بن عبيد، وغيلان القدري، وعبد الله بن سبأ الرافضي، ونحوهم من الظلم والبدعة بما لا يعلمونه إلا بالاستفاضة.

وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه مُر عليه بجنازة فأثنوا عليها خيرًا؛ فقال: وجبت، ومر عليه بجنازة فأثنوا عليها شرًا؛ فقال: وجبت وجبت، قالوا: يا رسول الله! ما قولك: وجبت وجبت؟ قال: هذه الجنازة أثنيتم عليها خيرًا فقلت: وجبت لها الجنة، وهذه الجنازة أثنيتم عليها شرًا، فقلت: وجبت لها النار، أنتم شهداء الله في الأرض)([10])، هذا إذا كان المقصود تفسيقه لرد شهادته وولايته.

وأما إذا كان المقصود التحذير منه واتقاء شره، فيكتفى بما دون ذلك، كما قال عبد الله بن مسعود: (اعتبروا الناس بأخدانهم)، وبلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلًا يجتمع إليه الأحداث فنهى عن مجالسته، فإذا كان الرجل مخالطًا في السير لأهل الشر يحذر عنه»([11]).

وقال رحمه الله كذلك:

«وهذا فصل الخطاب في هذا الباب، فالمجتهد المستدل من إمام وحاكم وعالم وناظر ومفت وغير ذلك: إذا اجتهد واستدل فاتقى الله ما استطاع، كان هذا هو الذي كلفه الله إياه، وهو مطيع لله مستحق للثواب إذا اتقاه ما استطاع، ولا يعاقبه الله ألبتة؛ خلافًا للجهمية المجبرة، وهو مصيب بمعنى: أنه مطيع لله، لكن قد يعلم الحق في نفس الأمر وقد لا يعلمه، خلافًا للقدرية والمعتزلة في قولهم: كل من استفرغ وسعه علم الحق، فإن هذا باطل كما تقدم؛ بل كل من استفرغ وسعه استحق الثواب»([12]).

ويقول رحمه الله مبينًا أنه قد يكون من المخالفين لأهل السنة والجماعة من هو معترف ومقر بعموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم في الباطن والظاهر:

«ويوجد بعض ذلك في أهل البدع ممن هو مقر بعموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم باطنًا وظاهرًا، لكن اشتبه عليه بعض ما اشتبه على هؤلاء، فاتبع المتشابه وترك المحكم؛ كالخوارج وغيرهم من أهل الأهواء..» إلخ([13]).

وأيضًا مما ينبغي التنبه له في هذا المقام: أنه يجب التفريق بين العامي من أهل البدع الذي تلقى البدعة ممن نظرها له وسكبها في رأسه وجعل لها مكانًا في عقله، وبين ذاك المُجادل عن البدعة والداعي إليها بشبهاته وتقريراته..

يقول الإمام الشاطبي رحمه الله:

«إن لفظ (أهل الأهواء) وعبارة (أهل البدع)، إنما تطلق حقيقة على الذين ابتدعوها، وقدموا فيها شريعة الهوى؛ بالاستنباط، والنصر لها، والاستدلال على صحتها في زعمهم، حتى عد خلافهم خلافًا، وشبههم منظورًا فيها، ومحتاجًا إلى ردها والجواب عنها؛ كما نقول في ألقاب الفرق من المعتزلة والقدرية والمرجئة والخوارج والباطنية ومن أشبههم بأنها ألقاب لمن قام بتلك النحل ما بين مستنبط لها وناصر لها وذاب عنها؛ كلفظ (أهل السنة)؛ إنما يطلق على ناصريها، وعلى من استنبط على وفقها، والحامين لذمارها.

ويرشح ذلك أن قول الله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا)) [الأنعام:159] يشعر بإطلاق اللفظ على من جعل ذلك الفعل الذي هو التفريق، وليس إلا المخترع أو من قام مقامه، وكذلك قوله تعالى: ((وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا)) [آل عمران:105].

وقوله: ((فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ)) [آل عمران:7]، فإن اتباع المتشابه مختص بمن انتصب منصب المجتهد لا بغيرهم.

وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالًا، فسئلوا فأفتوا بغير علم)([14])، فأقاموا أنفسهم مقام المستنبط للأحكام الشرعية، المقتدى به فيها؛ بخلاف العوام، فإنهم متبعون لما تقرر عند علمائهم؛ لأنه فرضهم، فليسوا بمتبعين للمتشابه حقيقة، ولا هم متبعون للهوى، وإنما يتبعون ما يقال لهم كائنًا ما كان، فلا يطلق على العوام لفظ أهل الأهواء حتى يخوضوا بأنظارهم فيها، ويحسنوا بنظرهم ويقبحوا.

وعند ذلك يتعين للفظ: (أهل الأهواء، وأهل البدع)، مدلول واحد، وهو: من انتصب للابتداع ولترجيحه على غيره، وأما أهل الغفلة عن ذلك، والسالكون سبيل رؤسائهم بمجرد التقليد من غير نظر؛ فلا.

فحقيقة المسألة أنها تحتوي على قسمين: مبتدع ومقتد به.

فالمقتدي به كأنه لم يدخل في العبارة بمجرد الاقتداء؛ لأنه في حكم المتبع.

والمبتدع هو المخترع، أو المستدل على صحة ذلك الاختراع، وسواءٌ علينا أكان ذلك الاستدلال من قبيل الخاص بالنظر في العلم، أو كان من قبيل الاستدلال العامي؛ فإن الله سبحانه ذم أقوامًا فقال: ((إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ)) [الزخرف:22]، فكأنهم استدلوا إلى دليل جملي، وهو الآباء، إذ كانوا عندهم من أهل العقل، وقد كانوا على هذا الدين، وليس إلا لأنه صواب، فنحن عليه؛ لأنه لو كان خطأ لما ذهبوا إليه.

وهو نظير من يستدل على صحة البدعة بعمل الشيوخ ومن يشار إليه بالصلاح، ولا ينظر إلى كونه من أهل الاجتهاد في الشريعة أو من أهل التقليد، ولا إلى كونه يعمل بعلم أو بجهل.

ولكن مثل هذا يعد استدلالًا في الجملة من حيث جعل عمدة في اتباع الهوى اطراح ما سواه، فمن أخذ به فهو آخذ بالبدعة بدليل مثله، ودخل في مسمى أهل الابتداع، إذ كان من حق من كان هذا سبيله أن ينظر في الحق إن جاءه، ويبحث ويتأنى، ويسأل حتى يتبين له الحق فيتبعه، والباطل فيجتنبه.

ولذلك قال تعالى ردًا على المحتجين بما تقدم: ((قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ)) [الزخرف:24]، وفي الآية الأخرى: ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا)) [البقرة:170]، فقال تعالى: ((أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ)) [البقرة:170]، وفي الآية الأخرى: ((أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ)) [لقمان:21]، وأمثال ذلك كثير.

وعلامة من هذا شأنه أن يرد خلاف مذهبه بما قدر عليه من شبهة دليل تفصيلي أو إجمالي، ويتعصب لما هو عليه؛ غير ملتفت إلى غيره، وهو عين اتباع الهوى، وإذ ظهر اتباع الهوى؛ فهو المذموم حقًا، وعليه يحصل الإثم، فإن من كان مسترشدًا، مال إلى الحق حيث وجده، ولم يرده، وهو المعتاد في طالب الحق، ولذلك بادر المحققون إلى اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تبين لهم الحق.

فإن لم يجد سوى ما تقدم له من البدعة، ولم يدخل مع المتعاصيين، لكنه عمل بها:

فإن قلنا: إن أهل الفترة معذَّبون على الإطلاق إذا اتبعوا من اخترع منهم؛ فالمتَّبعون للمبتدع إذا لم يجدوا محقًا مؤاخذون أيضًا.

وإن قلنا: لا يعذَّبون حتى يُبعث لهم الرسول وإن عملوا بالكفر؛ فهؤلاء لا يؤاخذون ما لم يكن فيه محقٌ، فإذ ذاك يؤاخذون من حيث إنهم معه بين أحد أمرين: إما أن يتبعوه على طريق الحق فيتركوا ما هم عليه، وإما أن لا يتبعوه؛ فلا بد من عنادٍ ما وتعصبٍ، فيدخلون إذ ذاك تحت عبارة (أهل الأهواء) فيأثمون»([15]).

ويقول الغزالي رحمه الله: «الثالث: المبتدع العامي الذي لا يقدر على الدعوة ولا يخاف الاقتداء به، فأمره أهون، فالأ­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­ولى أن لا يقابل بالتغليظ والإهانة، بل يتلطف به في النصح، فإن قلوب العوام سريعة التقلب، فإن لم ينفع النصح وكان في الإعراض عنه تقبيح لبدعته في عينه، تأكد الاستحباب في الإعراض، وإن علم أن ذلك لا يؤثر فيه لجمود طبعه ورسوخ عقده في قلبه، فالإعراض أولى؛ لأن البدعة إذا لم يبالغ في تقبيحها شاعت بين الخلق وعم فسادها...» إلخ([16]).

ويقول أيضًا رحمه الله:

«...لذلك ترى المبتدع العامي يمكن أن يزول اعتقاده باللطف في أسرع زمان... [ثم استثنى حالة من هذا فقال]:

إلا إذا كان نشؤه في بلد يظهر فيها الجدل والتعصب، فإنه لو اجتمع عليه الأولون والآخرون لم يقدروا على نزع البدعة من صدره؛ بل الهوى والتعصب وبغض خصوم المجادلين وفرقة المخالفين يستولي على قلبه، ويمنعه من إدراك الحق، حتى لو قيل له: هل تريد أن يكشف الله تعالى لك الغطاء ويعرفك بالعيان أن الحق مع خصمك؟ لكره ذلك خيفة من أن يفرح به خصمه، وهذا هو الداء العضال الذي استطار في البلاد والعباد، وهو نوع فساد أثاره المجادلون بالتعصب...» إلخ([17]).

وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية هذه المسألة حينما تحدث عن كثرة المخالفين لأهل السنة والجماعة في زمانه، وأن مرد ذلك إلى الجهل وقرر أنهم معذورون بذلك فقال: «وهؤلاء الأجناس وإن كانوا كثروا في هذا الزمان فلقلة دعاة العلم والإيمان، وفتور آثار الرسالة في أكثر البلدان، وأكثر هؤلاء ليس عندهم من آثار الرسالة وميراث النبوة ما يعرفون به الهدى، وكثير منهم لم يبلغهم ذلك، وفي أوقات الفترات وأمكنة الفترات يثاب الرجل على ما معه من الإيمان القليل ويغفر الله له ما لم تقم الحجة عليه، كما في الحديث المعروف: (يأتي على الناس زمان لا يعرفون فيه صلاة ولا صيامًا ولا حجًا ولا عمرة إلا الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة، ويقولون: أدركنا آباءنا هم يقولون: لا إله إلا الله، فقيل لحذيفة بن اليمان: ما تغني عنهم لا إله إلا الله؟ فقال: تنجيهم من النار)([18])»([19]).

ويفرق شيخ الإسلام بين علماء المخالفين وبين جهالهم فيقول: (ولهذا فإن كل من كان أعرف بباطن المذهب وحقيقته كان أعظم كفرًا وفسقًا..)([20])، إلى أن قال: (وأما الجهال الذين يحسنون الظن بقول هؤلاء، ولا يفهمونه فهؤلاء تجد فيهم إسلامًا وإيمانًا ومتابعة للكتاب والسنة)([21]).

ويقول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ذابًا عن دعوته النقية، ورادًا كذب من حاول تشويهها بالزور والبهتان:

«وأما الكذب والبهتان، فمثل قولهم: إنا نكفر بالعموم، ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، وإنا نكفر من لم يكفر، ومن لم يقاتل، ومثل هذا وأضعاف أضعافه؛ فكل هذا من الكذب والبهتان، الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله.

وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على عبد القادر؛ والصنم الذي على قبر أحمد البدوي، وأمثالهما؛ لأجل جهلهم، وعدم من ينبههم، فكيف نكفر من لم يشرك بالله؟! إذا لم يهاجر إلينا، أو لم يكفر ويقاتل؟! سبحانك هذا بهتان عظيم!!» إلخ([22]).

بل ويقرر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه قد يأتي من أفراد المخالفين ما يكون له اعتبار في نفسه في الجملة، فيشهد لهم بهذا الخير، ويعترف لهم بهذا الفضل، يقول شيخ الإسلام رحمه الله:

«وقد ذهب كثير من مبتدعة المسلمين من الرافضة والجهمية وغيرهم إلى بلاد الكفار، فأسلم على يديه خلق كثير، وانتفعوا بذلك، وصاروا مسلمين مبتدعين، وهو خير من أن يكونوا كفارًا»([23]).

بل ويفصل رحمه الله القول فيمن يتخذ من طرائقه البدعية مسلكًا للاستدلال على مسائل الشرع فيقول:

«وهذه الأمور يُسلمُ بسببها ناس، ويتوب بسببها ناس يكونون أضل من أصحابها، فينتقلون بسببها إلى ما هو خير مما كان عليه، كالشيخ الذي فيه كذب وفجور من الإنس، قد يأتيه قوم كفار فيدعوهم إلى الإسلام فيسلمون ويصيرون خيرًا مما كانوا، وإن كان قصد ذلك الرجل فاسدًا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر، وبأقوام لا خلاق لهم)([24])، وهذا كالحجج والأدلة التي يذكرها كثير من أهل الكلام والرأي، فإنه ينقطع بها كثير من أهل الباطل، وتقوى بها قلوب كثير من أهل الحق، وإن كانت في نفسها باطلة فغيرها أبطل منها، والخير والشر درجات، فينتفع بها أقوام ينتقلون مما كانوا عليه إلى ما هو خير منه»([25]).

واعجب معي من فطنة وذكاء وزكاء شيخ الإسلام وهو يقرر قاعدته السابقة بذكر مثال يقرب الأفهام، فيقول رحمه الله في عبد الله بن سعيد بن كلاب([26]) في تصديه للمعطلة:

«وكان ممن انتدب للرد عليهم أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب، وكان له فضل وعلم ودين. ومن قال: إنه ابتدع ما ابتدعه ليظهر دين النصارى في المسلمين، كما يذكره طائفة في مثالبه، ويذكرون أنه أوصى أخته بذلك؛ فهذا كذب عليه، وإنما افترى هذا عليه المعتزلة والجهمية الذين رد عليهم، فإنهم يزعمون أن من أثبت الصفات فقد قال بقول النصارى. وقد ذكر مثل ذلك عنهم الإمام أحمد رحمه الله في الرد على الجهمية، وصار ينقل هذا من ليس من المعتزلة من السالمية، ويذكره أهل الحديث والفقهاء الذين ينفرون عنه لبدعته في القرآن، ويستعينون بمثل هذا الكلام الذي هو من افتراء الجهمية والمعتزلة عليه. ولا يعلم هؤلاء أن الذين ذموه بمثل هذا هم شر منه، وهو خير وأقرب إلى السنة منهم»([27]).

([1]) مجموع الفتاوى (3/351-353).

([2]) مجموع الفتاوى (3/352-354).

([3]) المصدر السابق (23/345).

([4]) مجموع الفتاوى (23/348-349).

([5]) المصدر السابق (12/493).

([6]) البخاري (6/2676) (6919)، مسلم (3/1342) (1716).

([7]) الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم (3/302).

([8]) أعلام السنة المنشورة (ص:219).

([9]) الفتاوى (13/125).

([10]) البخاري (1/460) (2/934) (1301، 2499)، مسلم (2/655) (949).

([11]) مجموع الفتاوى (35/413-414).

([12]) مجموع الفتاوى (19/216-217)، وانظر أيضًا كلامه في مجموع الفتاوى (19/204-227).

([13]) الجواب الصحيح لابن تيمية (1/95).

([14]) البخاري (1/50) (100)، مسلم (4/2058) (2673).

([15]) الاعتصام (1/212-215).

([16]) إحياء علوم الدين (2/169).

([17]) المصدر السابق (1/97).

([18]) الحديث رواه ابن ماجه والحاكم وصححه الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/127)، رقم: (87).

([19]) مجموع الفتاوى (35/156).

([20]) المرجع السابق (2/336-367).

([21]) المرجع السابق (2/336-367).

([22]) الدرر السنية من الأجوبة النجدية (1/104).

([23]) الفتاوى (13/96).

([24]) سنن النسائي الكبرى (5/278)، صحيح ابن حبان (10/376)، سنن الدارمي (2/314).

([25]) الفتاوى (13/95).

([26]) عبد الله بن سعيد بن كلاب القطان البصري، أبو محمد، أحد رؤوس المتكلمين، مؤسس فرقة الكلابية، وهي فرقة كلامية، توفي بعد سنة (240)هـ.

([27]) (الفتاوى 5/555).



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://awttany.ahlamontada.com
 
تكفير المخالفين لأهل السنة والجماعة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» توبة المخالفين لأهل السنة والجماعة
» الاستغفار أمان ونعيم لأهل الأرض
» وسائل دعوة المخالفين

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: القسم الدعوى :: زاد الداعية-
انتقل الى: