هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةإتصل بناتفسير من الآية 27 إلى الآية 30 من سورة النور Emptyأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تفسير من الآية 27 إلى الآية 30 من سورة النور

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سعد عنتر
Admin
سعد عنتر


ذكر
عدد المساهمات : 1368
نقاط : 3899
العمر : 32

تفسير من الآية 27 إلى الآية 30 من سورة النور Empty
مُساهمةموضوع: تفسير من الآية 27 إلى الآية 30 من سورة النور   تفسير من الآية 27 إلى الآية 30 من سورة النور Icon_minitimeالخميس سبتمبر 16, 2010 6:17 am



التفسير من الآية 27 إلى الآية 30


بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (النور/27) ﴿فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ (النور/28) ﴿لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ﴾ (النور/29)



سبق وأن أشرت إلى أن القرآن يولي أهمية فائقة لقضية العفة والنزاهة في العلاقات الجنسية بين الأشخاص، وذلك يبتني على حكمة وأسباب أسلفت القول فيها.



أما الأساليب التي شرعها الإسلام لهذه الغاية فهي شيئان: الأول: إنّه أقرّ سلسلة من التدابير لتهدئة الغريزة الجنسية. والثاني: أنّه شرع لهذا العمل عقوبات معينة.



الآيات الأولى التي فسرناها غرضها هو بيان عقوبة الفحشاء: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (النور/2)، ولكن العقوبة وحدها - كما نعلم - غير كافية للقضاء على الجريمة والمعصية. ومهما كانت العقوبة قاسية، فهي ليست كفيلة بردع الناس عن ارتكاب الجرائم، سواء كانت تلك الجرائم تتعلق بقضايا العفة أم بالسرقة أو القتل أو ما شابه ذلك، أم من نوع عدم الحيطة والحذر كتلك التي تقع أثناء السياقة. ومن الخطأ التمسك بجانب العقوبة فقط من أجل الحيلولة دون وقوع الجريمة. وإنما ينبغي البحث عن أسبابها وعللها، وإزالة تلك العلل والأسباب. أما العقوبة فيصار إليها في حالة الأشخاص غير العاديين، أي حيثما تنعدم بشكل طبيعي علل وأسباب وقوع الجريمة وتحصل فقط من باب التمرد والطغيان.



اضرب لذلك مثلا في قضية السرعة في السياقة. فهناك تأكيدات دائمة على السواق بأنّ لا تتجازو سرعة السيارة داخل المدينة 40 كم في الساعة مثلا.



وقد يخالف الشخص ويعاقب، ولكن إذا لم تدرس الأسباب والدوافع الأساسية فهو لا يبالي مهما كانت العقوبة صارمة، وخاصة في قضية السياقة التي تحمل عقوبتها معها لأن الشخص الذي يسوق سيارته بسرعة جنونية داخل المدينة أو في الطرق الخارجية معرض للخطر أكثر من غيره، هو وسيارته. ولكن في الوقت ذاته لا الخطر على حياته وعلى ماله يردعه، ولا العقوبة، وذلك لوجود أسباب أخرى تدفعه إلى السير بسرعة.



العقوبة تحاول أن تكون كلجام لكبح جماحه، إلا أن تلك الأسباب تضغط عليه من جهة أخرى وترغمه على السير بسرعة. كأن يكون سائق سيارة أجرة مثلا وحالته المعيشية تفرض عليه الإسراع في نقل المسافرين للحصول على أجور أكثر وإداء ما تفرضه عليه متطلبات الحياة. ومعنى هذا أن هناك دوافع أخرى ترغمه على الإسراع في السياقة حيث لا تجدي معها العقوبة نفعا. فلا بد إذن من بحث ودراسة الأسباب الأساسية لهذه الظاهرة، والسعي لحلّها، كأن يكون العمل سبع ساعات في اليوم وبشكل هادئ كاف للحصول على الأجور الكافية لتمشية متطلبات حياته ونفقات أسرته. وفي مثل هذه الحالة لا يقدم الشخص على السياقة بسرعة جنونية يخاطر فيها بنفسه ورأسماله. وأمثال هذه العلل والأسباب موجودة في ظاهرة السرقة، والشراب، والزنا، والقتل، وجميع أنواع الجرائم الأخرى.



إذن لا بد من القضاء على تلك الأسباب. فنحن من جهة ندعو إلى ترك الشراب وننشر على الدوام صوراً على صفحات الحوادث في الصحف عن نتائجه المأساوية. ولو أجرينا احصاءً لتبين لنا أن لحالة الشراب والسكر دور في نصف حوادث القتل والجريمة واصطدم السيارات والزنا. في حين تتوفر من جهة أخرى موجبات التشجيع على الشراب، والأشعار التي تقرأ على الناس تدعو إلى السكر والشراب، ومحلات بيع الخمور منتشرة أكثر من سائر المحلات الأخرى.



قضية العفاف والزنا تدخل في هذا الإطار أيضا. فالإسلام قد شرع عقوبة صارمة لجريمة الزنا ولكن تلاحظون أنه لم يعول كثيرا على العقوبة وحدها.



ولهذا جعل طريق إثبات هذه الجريمة صعبا، إضافة إلى أنه لم يطلب من الأشخاص التجسس لاكتشاف وقوع الزنا، بل أنه يقبح هذه الممارسة. ومع أنه سنّ عقوبة صارمة للزنا إلاّ أنّه لا يستهدف القضاء على هذه الظاهرة عن طريق العقوبة وحدها. ولم يأمر بالتجسس في هذا الحقل: ﴿لَا تَجَسَّسُوا﴾ (الحجرات/12) إذن فما هي الوسيلة التي يجابه بها الإسلام وقوع الجرائم؟ هناك طرق متعددة، كالإرشاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إضافة إلى أسلوب التربية التي يجب أن ينشأ عليها الناس. ناهيك عن وجوب بناء أسس الحياة بشكل لا يقود إلى الغواية والضلال وتمهيد الأرضية لوقوع الجريمة.



ذكرنا في محاضرة سابقة أن الشريعة استهدفت إشباع الغريزة الجنسية عن طريق الزواج، وهي تعارض العزوبية إلى حد بعيد"وستمر علينا لاحقا الآيات: ﴿وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (النور/32). التي تشجع على الزواج وهو ما سنعرض له في حينه".



إذن هناك تشجيع شديد على الزواج ومحاربة مستمرة ضد العزوبية من أجل عدم توفير موجبات الزنا (ان تشريع الإسلام للزواج المؤقت لم يأت تلبية لإشباع نزوات عدد من الأشخاص المتزوجين من امرأة واحدة أو اثنين او ثلاثة أو حتى أربعة، ليكون الزواج المؤقت طريقا للتنوع أمامهم وينالوا ثواب ذلك!! ليس لهؤلاء فيه أي ثواب، بل قد ينطوي على ذنب. وانما شرع هذا النمط من الزواج للظروف التي يتعسر فيها الزواج الدائم بما يشترط فيه من أعباء ثقيلة. ومن جانب آخر بما أن الإسلام ينهي عن العلاقات الجنسية المتحللة، لهذا شرع الزواج المؤقت الذي هو عبارة عن زواج ضمن تعهدات إلا أنها تعهدات حرة، أي خاضعة لما يتفق عليه الطرفان. كأن يتعين مصير الطفل الناتج عن مثل هذا الزواج. والإسلام إنما أباح هذا الزواج في الظروف التي يتعسر فيها الزواج الدائم، ولكي لا يبقى المرء في حالة من العزوبية، لأن العزوبية بذاتها تنطوي على الكثير من المفاسد)



ولكن هل الزواج وحده كاف. فما أن يصبح للرجل زوجة وللمرأة زوج حتى تشبع رغباتهما ولا يبقى لديهما أي اندفاع جنسي نحو الآخرين ويصبحا كالحيوانات التي يكتفي كل منها بزوجة.



الحيوانات تتصرف وفقا لعامل الغريزة ولم تخلق حرة في رغباتها. الحمام وبعض أنواع الحيوانات الأخرى يعيش زوجا زوجا. ولا يصدق هذا على حيوانات أخرى كالغنم والخيل التي تعيش حرة لا تعرف مسألة الزوجية، وهناك حيوانات لا تقبل بالجنس الآخر - وخاصة الوحشية منها - إلا في حدود إنجاز عملية الحمل. الحيوانات التي تعيش زوجيا، هذه خاصية غريزية موجود فيها. فلا الذكر يمد عينه إلى الإناث الأخرى، ولا الأنثى تمد عينها إلى الذكور الأخرى.



إلا أن الإنسان في كل شهوة من شهواته يجب أن يؤدي جميع أعماله بشكل ينسجم مع ما عليه من تكليف لا بأسلوب الغريزة والإكراه استنادا إلى ما يتمتع به من حرية واختيار. ولهذا بات شرط الزواج ضروريا للإنسان إلاّ أنه غير كاف لوحده. فقد يقع بصر الرجل على امرأة أخرى فتثور رغبته، وخاصة إذا كانت المرأة قد جعلت نفسها في حالة مثيرة، وهكذا الحال بالنسبة للمرأة إزاء رجل آخر. وهذا هو السبب الذي جعل الإسلام يضع قيوداً للعلاقة بين الرجل والمرأة بحيث لا تكون مثيرة للشهوة. وهذا ما يتضح بصورة أكثر جلاء في الآيات التي سنقرؤها في ما بعد.

تتعلق الآيات التي تليت في بداية البحث بـ"الاذن" وعدم جواز دخول الشخص إلى دار غيره بدون إذن مسبق. هذه الآيات لا تختص بقضية المرأة ولكن تدور ضمن محورها. وهذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾ (النور/27) أي لا تدخلوا على حين غرة بيوتا أخرى غير بيوتكم بما في ذلك بيت الأم والأخت - والأخ بطريق أولى - قبل الاستئذان والسلام والاستئناس بمعنى وجود السكينة والأمن عند أهل الدار إزاءكم.



وهذه النقطة في غاية الوضوح وهي إن الحياة الداخلية والعائلة لكل إنسان خاصة به تماما ولا يحق لأحد اختراقها لأن ذلك يسبب الفزع والاضطراب عند صاحب الدار. القرآن يؤكد على ضرورة إزالة هذا الفزع مسبقا عن طريق الإذن والاستئناس.



لم يكن من المتعارف في القديم أن البيوت تغلق أبوابها. "وكذلك الحال الآن في بعض القرى". أما في الوقت الحاضر فالبيوت في المدن مغلقة أبوابها ولا بدّ لمن يريد الدخول من قرع الباب أو ضرب الجرس. وكان من عادة العرب في الجاهلية الدخول إلى بيوت الآخرين بلا إذن بل كانوا يعتبرون الاستئذان حطا من شأن المستأذن. وهذا حكم جاء به الإسلام وأمر بعدم دخول بيوت الآخرين بغير إذن حتى وأن كانت الباب مفتوحة.



﴿وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾ ولا تدخلوا بيتا بدون السلام من الداخل على صاحب البيت. وقد أقرّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذه السنة، أي إذا أراد أحد دخول دار يجب أن يعلمهم أولا لكي يرتبوا أنفسهم ويستعدوا، ولا يدخل مالم يقال له "تفضل". ومن الأفضل طبعا أن يستأذن المرء بدلا من "التنحنح" بذكر الله، كأن يقول:" الله أكبر" أو "سبحان الله" والمتعارف حاليا أن الناس يقولون عند الاستئذان "يا الله" وهي سنة حسنة.



كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يدخل بيتا حتى يستأذن، وحتى دار بنته فاطمة الزهراء سلام الله عليها كان يقف خلف الباب وينادي:"السلام عليكم يا أهل البيت " فإذا أذن له يدخل، وإذا لم يسمع الإذن يكرر ثانية: " السلام عليكم يا أهل البيت" إذا أُذن له يدخل، وإذا لم يصل الأذن إلى سمعه، كان يسلم ثالثة - مخافة إن لم يكونوا قد سمعوا - وإذا لم يأته الأذن في المرة الثالثة يعود ويقول أما أنهم ليسوا في البيت أو أنهم في وضع لا يسمح لهم باستقبال أحد، ولم يكن يضجره ذلك.



﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (النور/27) بمعنى أن مصلحتكم في هذا العمل. ويجب أولا أن تطبقوه، ثم تعلمون فائدته لا حقا.



هناك قصص تعرفونها في هذا الحقل، فهناك مثلا قصة "سمرة بن جندب" الذي كان شخصا سيئ الأخلاق، ووقفا في ما بعد في عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) وفي أيام معاوية مواقف مشينة. هذا الشخص كانت له في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نخلة في دار أحد أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله). وبما أن نخلته كانت في دار ذلك الرجل، فقد كان له حق الدخول إلى هناك ورعايتها، ولكن كان ينبغي عليه الاستئذان متى ما أراد الدخول، إلاّ أنّه لم يكن يستأذن، بل يدخل إلى دار ذلك الرجل بغتة؟ ومن الطبيعي أن كل إنسان يكون في داره في حالة لا يحب أن يراه الآخرون عليها" ويثير غضبه. فنبهه صاحب الدار عدّة مرات على ضرورة الاستئذان، إلا أنه لم يأبه لذلك. فجأة الرجل إلى رسول الله (صلى الله وعليه وآله) وشكا إليه الأمر، فاستدعى الرسول سمرة بن جندب وأمره بالاستئذان إلا أنه أبى، فقال له رسول الله: أنا اشتري هذه النخلة منك وأعطيك خير منها في موضع آخر، فرفض.



فقال له: أعطيك نخلتين بدلا منها، فلم يوافق، وحتى أنه عرض عليه عشرة بدلا منها. فابي. فقال له: اضمن لك بدلا منها نخلة في الجنة. فقال: لا أريد نخلة في الجنة ولا أستاذن في الدخول على نخلتي. واثبت بهذا الأسلوب انه رجل متجبر "وكما سبقت الإشارة فان الإسلام يأتي أولاً من باب اللين، وإذا لم تتحقق النتيجة المرجوة يلجأ إلى أسلوب القوة" فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) صاحب الدار أن يقلع الشجرة ويلقيها أمامه، وقال:"إنه رجل مضار وإنه لا ضرر ولا ضرر على مؤمن".



ثم يقول القرآن: ﴿فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ فإذا لم يكن في الدار أحد فما هو الواجب؟ هل يقول القائل: ما دامت الدار لا أحد فيها يأذن لنا، وليس فيها امرأة حتى يقال: دخل عليها فجأة، إذن فنحن مسموح لنا بالدخول؟ كلاّ، لأن عدم دخول دار الغير لا ينحصر سببه في وجود امرأة في الدار، بل لا يجوز اقتحام الحياة الخاصة للناس بلا إذن منهم. فحتى لو لم يكن أحد في الدار لا يجوز دخولها إلاّ أن يؤذن لكم، أي لديكم إذن مسبق بدخولها كأن يكون صاحب الدار قد أعطاك المفتاح أو قال لك أدخل إلى هذه الدار.



أما إذا استأذنا وبدل أن يقول لنا صاحب الدار: تفضلوا، قال: ارجعوا رجاء فأنا لا استطيع استقبالكم حاليا. ماذا يكون الموقف في مثل هذه الحالة؟ يقول القرآن صراحة: يجب أن ترجعوا ولا يسؤوكم ذلك. هذا حكم أسمى حتى من حياتنا المعاصرة لكننا لا ندرك كنهة.



يؤكد القرآن هنا على عدم الضجر أو الاستياء إذا أعلن صاحب الدار اعتذاره عن استقباله في الوقت الحاضر، إذا قد يكون لديه عمل أهم. فإذا واجهه صاحب الدار بهذه الصراحة يجب عليه أن يكون على درجة من رحابة الصدر بحيث يتقبل ذلك. ولكن يلاحظ اليوم العكس، فلا صاحب الدار قادر على التصريح بحالته للقادم، ولا القادم لديه من رحابة الصدر بحيث يتقبل ذلك ولا يستاء منه. ولهذا السبب تحصل في مجتمعنا حاليا في أمثال هذه المواقف واحدة من الحالات الثلاثة التالية:



الحالة الأولى: أن يضطر صاحب الدار إلى أن يقول لأطفاله كذبا بأن يخبروا القادم انه غير موجود أي أنه يرتكب ذنبا من الكبائر. ويتصور البعض أنه قادر في هذا الموقف على التورية. في حين أن التورية لا تجوز إلاّ في المواقف التي تستوجب الكذب أي حيثما يترقب على عدم قولها مفسدة، كأن يأتي رجل شاهرا السلاح ويريد قتل شخص بغير حق، فيسأل: هل فلان موجود؟ فيقال له: لا، غير موجود هنا.



ويقال في أمثال هذه المواقف: من أجل أن لا تعتاد على الكذب يجب أن تضمر في قلبك شيئا آخر، فتقول غير موجود، وتضمر في قلبك إنه غير موجود "هنا". لا أن يكذب المرء كما يحلو له تحت ذريعة التورية! يقول للأطفال: قولوا غير موجود واقصدوا أنني غير موجود في الغرفة الأمامية مثلا. فأنت ما دمت قادرا لى الصدق، لماذا تلجأ إلى أسلوب التورية؟ بإمكانك القول: أنني موجود ولكني غير قادر على استقبالك.



يقال: إن أحدهم جاء إلى داره ذات يوم ومعه ضيف، ولما دخل إلى الدار تشاجرت معه زوجته قائلة: لماذا جلبت معك ضيفا وليس لدينا شيئا في الدار نقدمه له، أنني لا أوافق بتاتا على دخوله الدار. فبقي الرجل حائرا ماذا يصنع مع ضيفه. فأرسل إليه أحد الأطفال ليخبره أن أباه غير موجود في الدار. فصاح الضيف، لقد جئنا أنا وإياه سوية. فرفع الرجل صوته من داخل الدار: قد يكون في الدار بابين وقد خرج هو من الباب الآخر !

في أغلب الأحيان تقع حالات شبيهة بهذه فحينما يأتي أحدهم ويفتح الباب ويقول: لا أدري إن كان صاحب الدار موجودا أم لا، لأذهب وأرى. هذا كذب مفضوح لأن الذي جاء من داخل الدار يعلم هل صاحبها موجود أم لا، ولكنه يريد أن يذهب ويرى هل يأمره بالصدق أم بالكذب.



ومع أن الجميع يعلمون حقيقة الأمر، أي الضيف يعلم، وصاحب الدار يعلم أيضا، إلا أن هذه القضية يتكرر وقوعها على الدوام إذن الحالة الأولى هي التي يقع فيها الكذب.



الحالة الثانية: فهي النفاق، كأن يقول صاحب الدار للضيف: تفضل، لقد شرفت وجلبت معك السرور والبهجة! إلاّ أنه في قلبه يلعنه ويقول: ما هذا البلاء الذي نزل علي في هذه الساعة، لدينا آلاف المشاغل، يا لهم من أناس غير مؤدبين؟! وبعد أن يذهب الضيف يقف أمام زوجته وأطفاله ويسب ويشتم. كيف ينشأ الأطفال في مثل هذه الحالة حينما يشاهدون أباهم يحترم الضيف ويستقبله نفاقا، ولا يتجرأ على مصارحته بحقيقة موقفه؟

الحالة الثالثة: يعتذر صاحب الدار عن استقبال القادم، أو يخرج إليه من يعتذر عن استقباله. وفي مثل هذه الحالة يكون موقف صاحب الدار سليما إلا أن الضيف يستاء من ذلك الموقف ويظل يتحدث به أمام الناس حيثما حل ورحل، ويقول لقد ذهبت إلى داره ولم يستقبلني. لا يقول أنني لم أذهب بإذن مسبق، أو انه كان معذورا حقا. ينبغي على مثل هذا القادم أن يحمل صاحب الدار على محمل خير وأنه كان معذورا حقا، وأنه قد واجهة بصراحة ولم يكذب عليه.



ولكن هناك حالة رابعة يرتضيها الإسلام وهي أن يعتذر صاحب الدار من القادم - فيما إذا كان معذورا عن استقباله - ويجب أن لا يستاء القادم عن مشاهدته لهذا الموقف. القرآن يأمر بهذه الحالة الرابعة وهي قوله: ﴿وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ (النور/28) ولكن هل ينطبق هذا الحكم على كل موضع يقيم فيه الناس، كالمحل، والدكان والفندق، ومحل العمل وما شابه ذلك، أم يختص بالدار السكنية؟



يقول القرآن: أنه يختص بالدار السكنية الخاصة ومحل العمل الخاص، ولا ينطبق على سائر الأماكن العامة. فلا داعي للاستئذان مثلا لدخول الدكان أو الفندق أو السوق.



كان هناك شخص ساذج ولكنه شديد التدين ذهب يوما إلى الفندق لرؤية أقاربه هناك، وبقي وافقا عند باب الفندق وأرسل شخصا ليستأذن له بالدخول، من غير أن يلتفت إلى أن هذا مكان عام يدخله الناس ويخرجون منه بشكل طبيعي وبكثرة ولا حاجة للإذن. وهذا هو قول القرآن: ﴿لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ﴾ (النور/29) كأن تكون محلات تجارية وليست مسكنا خاصا. ولكن يجب أن يكون لديكم عمل هناك، وإذا لم يكن لديكم عمل فلا داعي للمضايقة: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ﴾ (النور/29).



نأتي بعد ذلك إلى ذكر آيات الستر (هذه الآيات تسمى بآيات الستر، أما الآيات الواردة في سورة الأحزاب عن زوجات الرسول، والتي تسمى في الفقه والحديث بـ "آيات الحجاب" فهي خاصة بزوجات الرسول والأحكام الخاصة الواردة بشأنهن) هذه الآيات الواردة في سورة النور لا تسمى في الفقه أو الحديث باسم آيات الحجاب. وتتضمن أحكاما بالستر للمرأة أمام الرجل، وكذلك أحكاما عن ستر العورة لكل من الرجل والمرأة) ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ (النور/30).



في هذه الآية مسائل كثيرة جديرة بالبحث، وقد أطنب المفسرون في بيان المراد من الآية: ﴿يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ يرى بعض المفسرين أن هاتين الجملتين يراد بهما ستر العورة. لأن من جملة الواجبات التي فرضها الإسلام على كل من الرجل والمرأة هو ستر العورة عن غير الزوج إذ لا يجوز النظر إلى عورة الغير مهما كانت صلة القربى وحتى الآباء والأمهات يحرّم عليهم النظر إلى عورات أبنائهم وكذلك الأخوات والأخوة، ولا يستثنى من هذه القاعدة إلا الأزواج في ما بينهم. وهذا من المسلمات في الشريعة الإسلامية المقدسة.



يشير القرآن هنا إلى أنّ ﴿ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾ فما معنى هذا وما الحكمة منه؟ الحكمة من ذلك أن الإسلام لا يريد للناس أن تنشغل أذهانهم وتتوفر أمامهم أسباب إثارة شهوتهم اكثر مما تستوجبه الطبيعة في إشباع الغريزة الجنسية.



كل ما لا يراه الإنسان لا يفكر فيه. وبما أنّ عورات الناس مستورة على الدوام عن بعضهم الآخر - في التقاليد الإسلامية طبعا لا في التقاليد الأوربية - لهذا لا يفكر أحدهم في عورة الآخر. بل أن هذا الأمر مغفول عنه ولا يخطر على ذهن أحد.



فكر الإنسان وعقله وقلبه أنزه وأسمى من التفكير في أمثال هذه المسائل، بل وليست هناك من ضرورة تدعوه إلى ذلك. ولأجل أن لا تنشغل أفكار الناس وأذهانهم في هذه الأمور، ولكي تبقى بعيدا عن التفكير في أمثال هذه المواضيع، أمر الإسلام بستر العورة. وكانت النتيجة التي جناها من هذا الحكم أنه حافظ على الدوام على أذهان اتباعه منزهة وطاهرة وتترفع عن هذه القضايا الدنيئة. بل ولا حتى تفكر في هذا الجانب أساسا.



من جملة التقاليد المستهجنة المتفشية في أوربا وفي شمالها على وجه الخصوص، وهي آخذة بالأنتشار في أماكن أخرى من العالم، وتلقى التشجيع من أشخاص من اضراب "براتراند راسل"، هي قضية إبراز العورة ومكافحة ستر العورة. يؤكد راسل في كتابه الموسوم "في التربية ": ان قضية ستر العورة يجب أن تزول تماما.



في حين يحرص القرآن على التمسك بهذا الأدب خاصة وأنه قال في الجملة التالية: ﴿ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ (النور/30). إذن يرى البعض أن ﴿وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ معناها ستر عورتهم عن الأنظار. وأن معنى ﴿يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ أي يغضوها عن النظر إلى عورات الآخرين.





ولكننا نعتقد أن لهذه الآية معنى اشمل. ﴿وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ أعم من معنى ستر العورة، وكذلك: ﴿يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ لها معنى أشمل من هذا المعنى. أما ما جاء في الروايات في أنSadكل شيء في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزنا إلا هذه الآية فإنها من النظر" (الكافي2: 36 ح1)



يستبعد أن يكون المراد منه هنا أنه يشمل الجملتين، بل ونحن نجزم تقريبا أن: ﴿يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ لا تختص بمسألة النظر للعورة، بل لعلها تشمل بشكل أكبر قضية النظر لغير العورة. "الغض" معناه النقصان في النظر والصوت، وغض البصر يراد به تقليل البصر وعدم تركيزه على الشيء المنظور إليه (شرحت معنى "الغض" و"الغمض" والفرق بينهما في كتاب لي في هذا الحقل عنوانه "الحجاب" ولا أكرر ذكر الموضوع هنا) وجاء في الآية اللاحقة: على النساء أيضا أن لا ينظرن إلى عورات بعضهن - إن كان المراد هنا هو العورة - وأن يحفظن أنفسهن من الزنا أو على قول البعض - من أنظار الآخرين.وكل ما ذكرنا في ما سبق عن حفظ الفرج وغض البصر في الآية السابقة ينطبق على هذه الآية أيضا.



المصدر: تفسير سورة النور


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://awttany.ahlamontada.com
 
تفسير من الآية 27 إلى الآية 30 من سورة النور
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تفسير الآية 43 من سورة النور والآية 14 من سورة الحديد
» إشكال لغوي في الآية 59 من سورة آل عمران
» تفسير سورة الزلزلة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: الأقسام الشرعية :: القرآن والتفسير-
انتقل الى: