تظاهرتُ بالجهلِ ليلتها وشكرتكِ بامتنان ، حتى لا أفسد عليكِ حلاوة ذلك الشعور الذي يَسكننا عندما نقوم بواجب الدَّعوة إلى الله ، وما أرفع مقام الدَّعوة والدَّعاة إن هم صدقوا وأخلصوا .. [
نفحة ربانيّة :
هلّ هلال رمضان ـ يا مَن لا أعرف اسمها ـ ، وجاءنا يَزفُّ البَشائرَ ، فهل ما زلتِ على العَهد أم شغلتكِ عن مُصلانا الشواغل ؟
أتانا يَحمل بين لياليه صحائفَ بيضاءَ ناصِعَة ، معه منها الكثير ، بعددِ أهل الأرض جَميعهم ، هي لنا ، فمن أرادَ أن يَستبدِل صحيفته التي تلوَّثت بالسَّواد فما عليه إلا أن يتعرّض لنفحاته ...
يُقبل على الله بحب وخضوع ، ويُري الله من نفسه خيرًا ، فالأجواء قد هُيِّئت له ، فها هي مردة الجنِّ والشياطين قد صُفِّدَت ، وأبواب جهنّم أغلقت ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ ، كلّ ذلك من أجلنا ...
فما أكرمك عند ربّك يا أيُّها الإنسان !
نفحة ربانيَّة تَمتدُ شهرًا كاملا ، وتَفِدُ إلينا مرّة كلّ عام ، ما أعظمَ عطاء الرّب ، وما أرحمَه بعبادِهِ !
فمَن ذا الذي يفتحُ لك بابَه شهرًا كاملا ؟! ويقول لك : أقبِل إليَّ لا تتردّد ، اسأل تُعطَ فهذا موسم الهِبات ؟!
مَدخل شيطانيّ:
يُطأطئ بعضنا رأسَهُ خجلا ، ويبتلعُ غصَّته وهو يَعترف : أذنبتُ كثيرًا .. عصيتُ الله كثيرًا ، فهل لي من توبةٍ ؟!
كيف لا ؟!
والله ـ عزَّ وجلَّ ـ يقول في كتابه الكريم : "إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً " .. (الفرقان:70)
وها هو ـ سبحانه ـ يخبرنا على لسان نبيّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الحديث القدسي : "يا ابنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى ما كانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي ؛ يا ابنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَت ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي ؛ يا ابنَ آدَمَ إنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بي شَيْئاً لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً"
يا عبد الله ..
املأ قلبك بالتوحيد ، جدّد إيمانك بـ "لا إله إلا الله" ، ردّدها كأعذب نشيد ، اجتهد في فعل الخيرات لِتعوِّضَ ما فاتك ، فربّ ذَنب ساقَ صاحبَه إلى الجنَّة !
شامَة :
شَهرٌ ترتدي فيه الأمَّة الإسلاميَّة أبهى الحُلل ، فتطلَّ على الدُّنيا كشامَةً بين الأُمَم .
يَهبُّ النَّسيم العليل تسبيحًا ، وتتمايل الأغصان تَسبيحًا ، وتغرّد الطيور تسبيحًا ، ويعلو موج البحر تسبيحًا ، وتتلألأ النجمات في سماء ربي تسبيحًا ، وينبعث ينبوع الضَّوء من الشَّمس تسبيحًا ...
قال تعالى : " تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً " .. (الإسراء:44) يا قلب .. أما آن الأوان أن يَنتظمَ نبضكَ تسبيحًا ؟!
ليلة .. وأيّة ليلة ؟!
شهرٌ فيه ليلة خير من ألف شهر ، من قامَها إِيماناً واحْتِساباً ، غُفِرَ لهُ ما تَقدَّمَ مِنْ ذَنْبِه ، ليلة نزل فيها القرآن العظيم جملةً إِلى السماء الدنيا ، ثم نزل على سيدنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شيئاً بعد شيء ، ليلة تَعدِل عمرك كلّه بكلِّ ما فيه ، إنَّها ليلة القدرِ .