مناقشة ادعاء نسخ آية: ﴿يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام...﴾
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾(1).
فقد ادعي أنها منسوخة بقوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ﴾(2).
وذكروا في وجه النسخ: أن الصوم الواجب على الامة في بداية الامر كان مماثلا للصوم الواجب على الامة السالفة، وأن من أحكامه أن الرجل إذا نام قبل أن يتعشى في شهر رمضان لم يجز له أن يأكل بعد نومه في ليلته تلك، وإذا نام أحدهم بعد المساء حرم عليه الطعام والشراب والنساء، فنسخ ذلك بقوله تعالى: ﴿وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ﴾(3).
وبقوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ﴾(4).
وقد اتفق علماء أهل السنة على أن آية التحليل ناسخة ثم اختلفوا فقال بعضهم: هي ناسخة للاية السابقة، فإنهم استفادوا منها أن الصوم الواجب في هذه الشريعة مماثل للصوم الواجب على الامم السالفة، وقال بذلك أبو العالية، وعطاء، ونسبه أبو جعفر النحاس إلى السدي أيضا وقال بعضهم: إن آية التحليل ناسخة لفعلهم الذي كانوا يفعلونه.
ولا يخفى أن النسخ للاية الاولى موقوف على إثبات تقدمها على الاية الثانية في النزول، ولا يستطيع القائل بالنسخ إثباته، وعلى أن يكون المراد من التشبيه في الاية تشبيه صيام هذه الامة بصيام الامم السالفة، وهو خلاف المفهوم العرفي، بل وخلاف صريح الاية، فإن المراد بها تشبيه الكتابة بالكتابة فلا دلالة فيها على أن الصومين متماثلان لتصح دعوى النسخ، وإذا ثبت ذلك من الخارج كان نسخا لحكم ثابت بغير القرآن، وهو خارج عن دائرة البحث.
المصدر:
البيان في تفسير القرآن، لزعيم الحوزة العلمية: سماحة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي.
1- البقرة/183
2- البقرة/187
3- البقرة/187
4- البقرة/187