مناقشة ادعاء نسخ آية: (ومن ثمرات النخيل والاعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا)
﴿وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾(1).
فعن قتادة، وسعيد بن جبير، والشعبي، ومجاهد، وإبراهيم، وأبي رزين: أن هذه الاية منسوخة بتحريم الخمر.
والحق: ان الآية محكمة، فإن القول بالنسخ فيها يتوقف على إثبات أمرين:
1- أن يراد بلفظ " سكرا " الخمر والشراب المسكر، والقائل بالنسخ لا يستطيع إثبات ذلك، فإن أحد معانيه في اللغة الخل، وبذلك فسره علي بن ابراهيم، وعلى هذا المعنى يكون المراد بالرزق الحسن الطعام اللذيذ من الدبس وغيره.
2- أن تدل الآية على إباحة المسكر، وهذا أيضا لا يستطيع القائل بالنسخ إثباته، فإن الآية الكريمة في مقام الاخبار عن أمر خارجي ولا دلالة لها على إمضاء ما كان يفعله الناس، وقد ذكرت الآية في سياق إثبات الصانع الحكيم بآياته الآفاقية، فقال عز من قائل: ﴿وَاللّهُ أَنزَلَ مِنَ الْسَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾(2).
﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ﴾(3).
﴿وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾(4).
﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ﴾(5).
﴿ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾(6).
فذكر سبحانه وتعالى أن من آياته أن ينزل الماء من السماء، وأنه يحيى به الارض بعد موتها.
ثم ذكر تدبيره في صنع الحيوان، وأنه يخرج اللبن الخالص من بين فرث ودم.
ثم ذكر ما أودعه في ثمرات النخيل والاعناب من الاستعداد لاتخاذ السكرمنها والرزق الحسن، وقد امتازت هي من بين الثمار بذلك.
ثم ذكر ما يصنعه النحل من الاعمال التي يحار فيها العقلاء العارفون بمزايا صنع العسل ومبادئه، وأن ذلك بوحي الله تعالى وإلهامه.
وإذن فليس في الآية دلالة على إباحة شرب المسكر أصلا.
على أن في الآية إشعارا - لو سلم إرادة المسكر من لفظ سكرا - بعدم جواز شرب المسكر، فإنها جعلت المسكر مقابلا للرزق الحسن.
ومعنى هذا: أن المسكر ليس من الرزق الحسن، فلا يكون مباحا.
وتدل على ما ذكرناه الروايات المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام فإنها دلت على أن الخمر لم تزل محرمة.
روى الشيخ الصدوق بإسناده عن محمد بن مسلم، قال: " سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الخمر، فقال: قال رسول الله (ص): إن أول ما نهاني عنه ربي عز وجل عبادة الاوثان وشرب الخمر.. ".
وروى عن الريان عن الرضا عليه السلام، قال: " ما بعث الله نبيا إلا بتحريم الخمر "، وقد تقدم في بحث الاعجاز تحريم الخمر في التوراة، ولكن الشئ الذي لا يشك فيه أن الشريعة الاسلامية لم تجهر بحرمة الخمر برهة من الزمن، ثم جهرت بها بعد ذلك، وهذا هو حال الشريعة المقدسة في جميع الاحكام.
ومن البين أنه ليس معنى ذلك أن الخمر كان مباحا في الشريعة ثم نسخت حرمته.
المصدر:
البيان في تفسير القرآن، لزعيم الحوزة العلمية: سماحة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي.
1- النحل/67
2- النحل/65
3- النحل/66
4- النحل/67
5- النحل/68
6- النحل/69