الشبهة الثالثة حول الإعجاز القرآني
إن أسلوب القرآن في تناول الأفكار والمفاهيم وعرضها لا ينسجم مع أساليب البلاغة العربية ولا يسير على الطريقة العلمية في المنهج والعرض وذلك لأنه يجعل المواضيع المتعددة متشابكة بعضها مع بعض فبينما يتحدث القرآن في التاريخ ينتقل إلى موضوع آخر من الوعد والوعيد والحكم والأمثال والأحكام وغير ذلك من الجهات فلا يجعل القارئ قادراً على الإلمام بالأفكار القرآنية، مع أن الموضوعات القرآنية لو كانت معروضة على شكل فصول وموضوعات مستقلة لكانت الفائدة المترتبة عليه أعظم والاستفادة منه أسهل وكان العرض منسجماً مع الأسلوب العلمي المنهجي الصحيح.
وتناقش هذه الشبهة على أساس النقطتين التاليتين:
الأولى: إن القرآن الكريم ليس كتاباً علمياً ولا كتاباً مدرسياً فهو ليس كتاب فقه أو تاريخ أو أخلاق وإنما هو كتاب هداية وتربية وهدفه الأساس هو إحداث التغيير الاجتماعي. والأسلوب القرآني خضع لهذا الهدف في طريقة العرض وفي التدرج في النزول وفي غير ذلك من الظواهر القرآنية كوجود الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه. وهذه الطريقة في العرض من الخصائص البارزة في القرآن الكريم التي خضعت لهذا الهدف للتمكن من إحداث التأثير المطلوب في نفسية الإنسان المعاصر لنزول القرآن، بل ولكل إنسان يستمع للقرآن الكريم أو يقرأه.
والنتائج العظيمة التي حققها القرآن الكريم في المجتمع الجاهلي أفضل شاهد على انسجام هذا الأسلوب مع الهدف الأساس للقرآن الكريم.
الثانية: إن هذه الطريقة في العرض يمكن إن تعتبر إحدى الميزات التي يتجلى فيها الإعجاز القرآني بصورة أوضح فانه بالرغم من هذا التشابك في الموضوعات تمكن القرآن الكريم من الاحتفاظ بجمال الأسلوب وقوة التأثير وحسن الوقع على الإسماع والنفوس الأمر الذي يدلل على براعة متناهية وقدرة عظيمة على عرض الموضوعات وطرح الأفكار.
المصدر:
كتاب علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم