وهكذا دخل الإيمان قلبَه
الدكتور عثمان قدري مكانسي
درس وأخوه في حلب كل مراحل الدراسة : الابتدائية والإعدادية والثانوية . وقرر أبوهما أن يرسلهما إلى الولايات المتحدة يكملان هناك تعليمهما . وسافرا إلى ولاية نيوجيرسي ، فالتحقا بإحدى جامعاتها .
كان هذا أوائل عام ألفين وواحد قبل أن يسقط البرجان الضخمان في نيويورك بعد تسعة أشهر من إقامتهما هناك بعيدين عن مسرح الحدث خمسين كيلاً فقط .
سافرت إلى نيوجيرسي في زيارة تعليمية إلى مدارس الجالية العربية الإسلامية مطّلعاً على مناهج اللغة العربية والإسلامية ، في الشهر الثالث من السنة نفسها ومكثت هناك شهرين ، فتعرفت على المسلمين في مساجدهم ومنتدياتهم ، وزرت مدناً عدة منها " ديترويت " في الشمال ، و" شمال كارولينا وجنوبها " وكان لي لقاءات طيبة بالإخوة المسلمين هناك ووعدتهم أن أعود بإذن الله تعالى إليهم مقيماً بينهم سنوات عدة . فلما ذهبت إليهم ثانية كان غيابي عن نيوجيرسي قد مضى عليه عشرة أشهر كاملة .
اختلف الأمر بين الزيارتين ، فقد كان المسلمون هناك مرتاحين ، لهم مع الإدارة الأمريكية الجديدة صلة طيبة ، فقد منحوا – إذ ذاك – أصواتهم للحزب الجمهوري ، وتوطدت علاقتهم بـ " ديك تشيني – نائب الرئيس . إلا أن الزيارة الثانية كانت بعد انهدام البرجين الذي أدى إلى انهدام العلاقة مع الإدارة والمتشنجين من النصارى المتهوّدين الذين هاجموا عشرات المساجد بعد الحادثة ، وأحرقوا بعضها .
وعلى الرغم من هذا الضيق الواضح والحصار الملموس الواقع على المسلمين ، كان عدد الذين أسلم من الأمريكان سنة اثنين وألفين للميلاد أربعة أضعاف من أسلم السنة السابقة . فقد تعرف كثير منهم على الدين العظيم فانقلبوا – بحمد الله - إليه لا عليه وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال " ليبلُغنّ هذا الدين ما بلغ الليلُ والنهار بعز عزيز أو بذل ذليل" والبلوغ غير الوصول ، فالبلوغ تمازج واختلاط وتوطّن ، وهذا قدر الله في نشر دينه الثابت المكين ، رضيَ من رضيَ وأبى مَن أبى .
كان هذان الشابان الحلبيّان من نصارى حلب ، درسا في مدارسها ومعاهدها ، وكانا قريبين جسماً من زملائهم المسلمين بعيدين عنهم روحاً وهدفاً بُعدَ المشرق عن المغرب ، فلما تركا سورية شعرا بالراحة حين انتقلا إلى بلد نصراني متقدّم !.
جاء زملاؤهما في الكلية – بعد الحادثة – يسألانهما عن الإسلام وعقائده وشرائعه وعادات أهله ، فاعتذرا عن الإجابة لأنهما لا يعرفان شيئاً عن كل ما سُئلا عنه . فتعجب زملاؤهم قائلين :
ألستما عربيين ؟
قالا: بلى .
ألستما مسلمين ، فكيف تجهلان دينكما؟!
ردّا : إننا مسيحيّان مثلكم .
قيل لهما : أفي بلاد العرب نصارى؟
قالا: هم كثيرون وحاضرون في كل مدينة وبلدة وقرية .
قيل لهما : لا بد أن تكونا على علم بالإسلام لأنكما تعيشان بين المسلمين وتتكلمان لغتهم .
قالا : لكننا لم نختلط بهم ، ولم نأنس إليهم . .............
وعلى الرغم من ذلك الوضوح في الجواب كلفوهما أن يزورا المركز الإسلامي في مدينة " باترسون " يحملان تساؤلات طلاب الجامعة المتشوقين لمعرفة الكثير عن الإسلام فيعودا بالأجوبة الشافية .
تكررهذا مرات عديدة ، أسئلة تُطرح ، وأجابات تُكتب يحملانها في جعبتهما إلى الزملاء ، فتُناقش .
بدأت أفكار وتساؤلات تتفاعل في رأس الكبير فيهما ، فيجلس في غرفة الإمام يناقشه ويحاور القائمين على أمور المركز الإسلامي ، وكان قلبه يتفتح كالبرعم الصغير تحت قطرات ندى الإيمان وشمس الإسلام ، إلى أن نطق أمامهم بكلمة التوحيد وشهادة الحق .
التقيته بعد أن أسلم ، فكان لي معه جولات إيمانية اقتبستها منه ، نعم أقول : اقتبستها من فيوضاته النقية وطهارته الصافية . ألم يقل الفاروق رضي الله عنه " خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقه"؟ إنه ذاق حلاوة الإيمان بعد أن كان غارقاً في وحل الكفر والشرك . وامتلأ قلبه نوراً بعد أن كان الظلام ساكنه . فهو أشدّ تذوّقاً وأثبت إيماناً من الكثرة الكاثرة التي توارثت الإيمان أباً عن جد .
كان ملاكاً في حلّة إنسانية ، يا سبحان الله ... اللهم ثبته على كلمة الإيمان والتوحيد .
وسألته : ماذا فعل أخوك؟
قال : هو على درب الإيمان قادم ، أيام قليلة ، وظني أنه يُسلم . ... وهكذا كان ، وصدق ظنه بأخيه .
قلت : ما ترغب أن تحققه الآن ؟
قال : أخ في الله درس معي في الثانوية السنة الماضية ، كنت أكرهه لصدق إيمانه ونور وجهه أتمنى الآن أن أعود لأخبره أنني أسلمت ، وأنني أحبه في الله .