أم الدرداء
الصحابية الجليلة خيرة بنت أبي حدرد هي أخت أبي محمد عبدالله بن أبي حدرد وأم بلال بن أبي الدرداء، أسلمت وحسن إسلامها وكانت من فضليات النساء وعقلائهن، ومن ذوات الرأي السديد، مع العبادة والفهم الصحيح للإسلام.
وعن قصة اسلامها وزوجها تقول خيرة بنت أبي حدرد: كان عويمر بن مالك (زوجها) متعلقاً بصنم له، وقد تبع أهله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عبدالله بن رواحة أخا له في الجاهلية، وكان يدعوه إلى الاسلام فيقول: يا عويمر، أترضى أن تكون آخر دارك إسلاما؟ فيأبى أبو الدرداء. وذات يوم وضع منديلا على صنمه وخرج، فجاء عبدالله بن رواحة ودخل بيتي.
فسأل عن عويمر فأخبرته أنه خرج آنفا، وكنت أمشط رأسي، فدخل ابن رواحه ومعه قادوم فأنزل الصنم وجعل يقدده (اي جعله قطعا) وسمعت صوت القادم وهو يضرب ذلك الصنم فقلت: أهلكتني يا ابن رواحة، فخرج وأقبل عويمر، فوجدني أبكي شفقا منه، فقال: ما شأنك؟ قلت: أخوك عبدالله بن رواحة دخل فصنع ما ترى، فنظر عويمر (أبو الدرداء) الى الصنم المحطم وغضب غضبا شديدا، ثم فكر وقال: لو كان عند هذا خير لدافع عن نفسه. ثم انطلق الى عبدالله بن رواحة وقال له: اصحبني إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فانطلقا حتى أتيا الرسول صلى الله عليه وسلم فأسلم عويمر بن مالك وأسلمت معه زوجته خيرة بنت أبي حدرد رضي الله عنها وعن زوجها.
صدق سلمان
حفظت خيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن زوجها أبي الدرداء، عويمر الانصاري رضي الله عنه، وروت خمسة أحاديث، ومن تلاميذها الذين حملوا العلم عنها: صفوان بن عبدالله بن صفوان وميمون بن مهران، وزيد بن أسلم.
ومن المواقف المعروفة للصحابية الجليلة أنه عندما آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بين أبي الدرداء وسلمان الفارسي، جاء سلمان لأبي الدرداء زائرا، فرأى أم الدرداء قد أهملت نفسها، ولاح في وجهها القهر، فقال لها: ما شأنك؟ فقالت: إن أخاك ليس في حاجة الى شيء من الدنيا، أصبح أبو الدرداء لا ينام الليل. فسكت سلمان الفارسي ولم يكلم أبا الدرداء. وقامت خيرة بنت ابي حدرد لتصنع لهما طعاما، فلما أكلا هيأت أم الدرداء لهما فراشهما فنام سلمان وأبو الدرداء هنيهة، ثم قام أبو الدرداء ليصلي، فأمسك سلمان بثوبه وقال له: نم يا أبا الدرداء.
ونام ثم نهض ليصلي، فأمسك سلمان به وقال له: نم. فنام عويمر بن مالك، فلما كان الثلث الأخير من الليل قام أبو الدرداء ليصلي فقال سلمان الفارسي: الآن انهض لتصلي.
وعندما انبلج الفجر خرجا ليصليا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو الدرداء: لأشكونك لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال سلمان الفارسي: يا أبا الدرداء ان لربك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، ولجسدك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه.
فلما قضيت صلاة الفجر مال أبو الدرداء على أذن النبي صلى الله عليه وسلم وشكا له ما فعل سلمان الفارسي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الرهبانية لم تكتب علينا، صدق سلمان”.
ودخلت أم الدرداء على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد فسمعته يقول: “ما يوضع في الميزان أثقل من خلق حسن”.
وخرجت أم الدرداء من الحمام يوما فلقيها النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: “من أين أقبلت يا أم الدرداء؟ قالت من الحمام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منكن امرأة تضع ثيابها في غير بيت إحدى أمهاتها أو زوج، إلا كانت هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن عز وجل”.
كنت خيرهم وأبرَّهم
وتضيف على ابي الدرداء ضيف فأبطأ عويمر بن مالك حتى نام الضيف طاويا، ونام الصبية جياعا فجاءت خيرة بنت أبي حدرد غضبى تلظى فقالت: لقد شققت علينا منذ الليلة.
فتساءل أبو الدرداء: أنا؟ قالت أم الدرداء: نعم، أطلت علينا حتى بات ضيفنا طاويا، وبات صبياننا جياعا. فغضب أبو الدرداء وقال: لا جرم، والله لا أطعمه الليلة والطعام موضوع بين يدي.
فقالت أم الدرداء: أنا والله لا أطعمه حتى تطعمه. فاستيقظ الضيف وقال: ما بالكما؟ قال عويمر بن مالك: ألا ترى تجني عليّ الذنوب؟ إني احتسبت في كذا وكذا. فقال الضيف: أنا والله لا أطعمه حتى تطعماه.
فلما رأى أبو الدرداء الطعام موضوعا ورأى الضيف جائعا والصبية جياعاً قدم وأكل، ثم مشي الى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما حدث فقال:
يا رسول الله لما رأيت الطعام موضوعا ورأيت الضيف جائعا والصبية جياعا قدمت يدي فأكلت، وقدموا أيديهم، فبروا والله يا رسول الله - وفجرت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بل أنت كنت خيرهم وأبرهم”.
وطلبت ذات يوم خيرة بنت أبي حدرد من زوجها خادما فقال لها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “لا يزال العبد من الله وهو منه ما لم يخدم، فإذا خدم وجب عليه الحساب”.
وماتت الصحابية الجليلة خيرة بنت أبي حدرد أم الدرداء الكبرى قبل موت أبي الدرداء، وذلك بالشام في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان. فرضي الله عنها وعن المسلمين أجمعين.