الأقليات المسلمة بين فقه الضرورة وواقع المعاناة
لم يكن مصطلح الأقلية معروفاً في الماضي ولكنه نشأ في القرن الماضي وتأكد في مطلع القرن 15 الهجري مع قيام الهيئات الإسلامية المهتمة بأوضاع الجاليات المسلمة والمجتمعات المسلمة في بلاد الغرب وفي مقدمة هذه الهيئات رابطة العالم الإسلامي وبعدها منظمة المؤتمر الإسلامي حيث استعملت كلمة الأقلية وهي ترجمة لكلمة minorite التي تعني مجموعة بشرية ذات خصوصيات تقع ضمن مجموعة بشرية متجانسة أكثر منها عدداً وأندى منها صوتاً تملك السلطان أو معظمه.
وتذكر الإحصاءات العالمية لا سيما الأمم المتحدة أن تعداد الأقليات المسلمة في العالم تبلغ نحوا من 500 مليون مسلم ويشكلون بذلك أكثر من ثلث عدد المسلمين في العالم.
وقد بدأ هؤلاء المسلمون يواجهون واقعًا جديداً يثير أسئلة كثيرة جدًّا تتجاوز القضايا التقليدية المتعلقة بالطعام المباح، وثبوت الهلال، والزواج إلى قضايا أكبر دلالة وأعمق أثراً ذات صلة بالهُويَّة الإسلامية، ورسالة المسلم في وطنه الجديد، وصلته بأمته الإسلامية، ومستقبل الإسلام في تلك الديار البعيدة ، ومن هنا برزت الحاجة إلى النظر مجددا فيما يسمى بـ -فقه الأقليات-.
صعوبات إحصائية
وتحول الصعوبات الفنية والسياسية دون معرفة حجم الأقليات الإسلامية بدقة، فالعديد من الدول التي توجد فيها أقليات إسلامية لا تتوافر فيها إحصاءات رسمية دقيقة عن التوزيع الديني للسكان، أو أنها تعيش في دول فقيرة لا تتوافر فيها الإمكانات المادية لمعرفة نسبة المواليد والوفيات والزواج وعدد أفراد الأقليات الدينية.. إلخ، فضلا عن أن كثيرا من الدول التي تقيم فيها الأقليات الإسلامية تفرض عليها طوقاً من السرية والكتمان خوفاً من إثارة المشكلات الطائفية والعرقية.
في المصطلح
الأقلية -لغة- : بفتح القاف وتشديد اللام المكسورة والياء المفتوحة من القلة - بكسر القاف - .
اصطلاحاً : يطلق لفظ الأقلية على كل جماعة تعيش خارج حدود الدولة التي تنتمي إليها ، بحيث يتمتع جميع أفراد الجماعة بما يسمى اليوم بالجنسية .
وقد بدأ ظهور هذا المصطلح في القرن الحالي, حيث لم يرد له ذكر في مصادر التاريخ , أو في كتب الفقه الإسلامي نظرا لحداثته.
--الأقلية- مصطلح سياسي ، يُقصَد به في العرف الدولي مجموعة أو فئات من رعايا دولة من الدول تنتمي من حيث العِرق أو اللغة أو الدين إلى غير ما تنتمي إليه الأغلبية.
وتشمل مطالب الأقليات عادة المساواة مع الأغلبية في الحقوق المدنية والسياسية، مع الاعتراف لها بحق الاختلاف والتميز في مجال الاعتقاد والقيم.
وقد وردت تعريفات عدة لهذا المصطلح منها :
- هي مجموعة من المسلمين تعيش تحت سلطات دولة غير ملسمة وفي وسط أغلبية غير مسلمة، أي أنها تعيش في مجتمع لا يكون فيه الإسلام الدين السائد، أو الثقافة الغالبة، ومن ثم لا يحظى فيه الإسلام بمؤثرات إيجابية تساعد على ازدهار مثلة ومبادئه، بل على العكس قد يجد فيه من العراقيل الكثير مما قد يقعد به وبأهلة، ولا يساعد على تحقيق هويتهم الإسلامية ، وقد يعاني المسلمون في حالات كثيرة من جهود ترمي إلى - علمنتهم - وإبعادهم عن مثلهم الدينية وإدماجهم في ثقافة المجتمع الغالبة ...
تحديات مشتركة
تشترك الأقليات المسلمة في جوهر واحد، وهو تعرُّض العقيدة والقيم والسلوك والشخصية والنسق المعرفي الخاص بها لتحديات أو تهديدات مبعثها الإطار المحيط غير المسلم. ومن ثم فهي تواجه مشكلات في المجالات المختلفة. ولكن تختلف بالطبع من إقليم إلى آخر درجة هذه التهديدات، وتأثيراتها على الشخصية المسلمة؛ فقد تصيبها بالضرر أو التشويه، وقد تحول بينها وبين التأصيل السليم، أو قد تودي بها تمامًا، بحيث لا يصبح للمسلم من الإسلام إلا الاسم أو الشكل فقط، بل وربما يصل الأمر إلى فقدان هذا الحد الأدنى أيضًا.
بؤر توتر
وبنظرة عامة على خريطة الصراعات السياسية والعسكرية في العالم، نجد أن أغلب مناطق التوتر تتركز في المناطق التي توجد فيها أقليات إسلامية كما هو الحال في جامو وكشمير، وتركستان الشرقية، والفلبين، وبورما، والبلقان.. إلخ.
ومما يزيد أوضاع الأقليات الإسلامية سوءًا انخفاض متوسط الدخل السنوي لأفرادها، وازدياد نسبة الأمية، وارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض والأوبئة، وما ينجم عن ذلك كله من ارتفاع معدلات الوفيات، ويظهر ذلك جلياً في أفريقيا، خصوصا في جمهورية أفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية، ووسط الأقليات الإسلامية كبيرة العدد في الهند والفلبين على سبيل المثال.
تهميش سياسي
وقد أدى هذا الوضع إلى معاناة هذه الأقليات مما يمكن تسميته بالتهميش السياسي الذي يظهر في قلة مشاركتهم في أنظمة الحكم والإدارة بما يتوافق مع نسبتهم العددية، وهذا بدوره أثر في مدى اهتمام حكومات الدول التي يعيشون فيها بمطالبهم وحقوقهم. وتأتي بعد ذلك مشكلة الذوبان الثقافي والهوية الإسلامية التي يشعرون بأنها تواجه تحديات كبيرة وسط المجتمعات غير الإسلامية التي يعيشون فيها.
فقه الأقليات
ومن هنا يمكن وصف أوضاع الأقلية المسلمة في ديار غير المسلمين بأنها أوضاع ضرورة بالمعنى العام للضرورة الذي يشمل الحاجة والضرورة بالمعنى الخاص.
ولهذا احتاجت إلى فقه خاص، ولا يعني ذلك إحداث فقه جديد خارج إطار الفقه الإسلامي ومرجعيته الكتاب والسنة وما ينبني عليهما من الأدلة كالإجماع والقياس والاستحسان والمصالح المرسلة وسد الذرائع والعرف والاستصحاب .. وإنما النظر إلى قضايا الأقليات بوصفها مسائل فقهية قديمة بالجنس حديثة بالنوع.
- أما المقصود بفقه الأقليات فهو فقه نوعي يُراعي ارتباط الحُكم الشرعي بظروف جماعة ما في زمان محدد وبالمكان الذي تعيش فيه، نظرا لظروفها الخاصة، يصلح لها ما لا يصلح لغيرها.. ولا شك أن للاستضعاف فقها لا بد أن يختلف عن فقه التمكين، وقد اتضحت أحكام كل من النوعين على حدة في العهدين المكي والمدني..
وبالرغم من الخصوصية في دراسة الأبعاد الشرعية للأقليات المسلمة إلا أنها لا تنفصل عن الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تكون الظروف الموضوعية التي يعايشها مسلمو الأقليات والتي تؤثر على أسس وقواعد الشخصية المسلمة .
- ويترتب على ذلك أن تختلف أولويات الدعوة الإسلامية والمحاور الفقهية في الغرب عنها في الدول الإسلامية نظرا لاختلاف المعطيات وطبيعة الحكم في تلك البلاد وعدم تمكنهم في كثير من الأحيان من إقامة شعائر الإسلام على أكمل وجه نظرا للقوانين والأعراف السائدة في تلك الدول .
أقلية استضعاف
عندما تُذكَر كلمة أقلية فسرعان ما ينصرف الذهن إلى الأقلية العددية، أو تلك الفئة المستضعفة، أو مجموعة قد هُضم حقها لسبب أو آخر، غير أن للأقلية مفهومًا آخر يرتبط معياره بالحقوق التي يكفلها الشرع والقانون، وبمدى تطبيقها وممارسة الأفراد لها، ومن ثم فمن الممكن أن نجد الغالبية العظمى من البشر في شعب من الشعوب أو دولة من الدول تعيش محرومة من حقوقها، وهنا ينطبق عليها لفظ أقلية؛ رغم كثرتها العددية، وبهذا المفهوم يغدو كثير من المسلمين أقلية مستضعفة في بلادهم رغم كونهم كثرة عددية؛ فالمسلمون ليسوا قلة في أوربا كلها، بل إن بعضهم يشكَّل دولاً بأكملها، كألبانيا والبوسنة والهرسك وعلى الرغم من ذلك يمكن اعتبارهم أقليات.
ضوابط منهجية
ولا بد لمن يتعرض للإفتاء في بلاد الغرب من ضوابط منهجية يجب أن يتبعها لمن يتعرض لفقه الأقليات ويفتي لهم، وكذلك لمن يطلبون الفتوى، وأهمها الصدق مع الله، وتجنب الاضطرار الكاذب، ومراعاة القضايا التي تعم بها البلوى، واعتماد الاجتهاد الإصلاحي لا التسويغي الذي يقدم المبررات والرخص غير المعتبرة.
ذلك أن فقه الأقليات ليس مرادفًا لفقه الترخص، وإنما هو يراعي كلاًّ من فقه المقاصد، وفقه الواقع، وفقه الموازنات وفقه الأولويات، بالإضافة إلى فقه المآلات ولا يعني بحال من الأحوال التنازل عن الثوابت التي وضعها الإسلام، وتعارفت عليها الأمة.
تساهل وضياع
ومن المؤسف حقا أننا قد ابتلينا -سواء في بلادنا أم في بلاد الغرب- بنوعين من العلماء والمفتين: نوع يفتي بغير علم لافتقاده الحُجَّة الشرعية، ونوع يفتي بالهوى لافتقاده الخشية القلبية ، كما شاعت لدينا فتاوى الإنترنت والتساهل في الأحكام بحجة التيسيير!
ويبقى الالتجاء إلى المجامع الفقهية المعتمدة والمشايخ المشهود لهم بالصلاح والتقوى السبيل الأمثل للبراءة من تلك الفتاوى غير المنضبطة.
تهديدات
وإن الناظر في واقع الأقليات المسلمة في الغرب يجد أن التهديدات الداخلية التي تمثلها الآفات المستشرية في المسلمين في الغرب لا تقل ضراوة عما يتهددهم من الحكومات الغربية، ولعل أخطر ما يحدث للمسلمين في الغرب عدم وجود مؤسسات تأهيلية للدعاة الموفَدين تبصرهم بقضايا المجتمع الذي يفدون إليه وتحدياته والواقع الذي يعيشه.
وعلى الرغم من أن المسلمين في الغرب قطعوا شوطًا في بناء المؤسسات الإسلامية والاقتصادية والدعوية إلا أنهم ما زالوا في حاجة ماسة إلى بناء الدعاة، وأن هذا يجب أن يوضع ضمن أولويات المرحلة القادمة.
مسلمو الهند وكشمير
تبلغ نسبة المسلمين في الهند أكثر من 15% أي ما يعادل 100 مليون مسلم ، وقد وصل الإسلام إلى الهند على يد محمد بن القاسم أثناء الفتوحات المعروفة في التاريخ الإسلامي بفتوحات السند أيام عهد الدولة الأموية، وعلى مدى قرون طويلة ظل المسلمون في شبه القارة الهندية أمة واحدة، ومع نهاية الاحتلال البريطاني الذي استمر حوالي مائتي عام انقسمت الهند عام 1947م إلى دولتين هما الهند وباكستان التي كانت تضم آنذاك بنغلاديش، ونتيجة لذلك التقسيم ظهرت على مسرح الأحداث السياسية مشكلة إقليم جامو وكشمير المتنازع عليه بين الهند وباكستان، ولعل أبرز التحديات التي تواجه المسلمين هناك تجدد النزاعات الدينية بين الهندوس والمسلمين والتي كان أعنفها أحداث آسام عام 84 وهدم المسجد البابري.
مشكلة المسلمين في إقليم جامو وكشمير:
ويعيش فيه حوالي 12 مليون نسمة، 70% منهم مسلمون والبقية سيخ وهندوس.
يعيش هذا الإقليم أجواء صراع طويل بين المسلمين وغيرهم، بدأت مرحلته الحالية منذ انقسام شبه القارة الهندية عام 1947، حيث تتقاسم السيطرة عليه كل من الهند وباكستان.
مسلمو الصين
تعد الأقلية المسلمة في الصين ثاني أكبر أقلية إسلامية في آسيا بعد الهند، حيث تبلغ نسبتهم 11% من إجمالي سكان الصين البالغ عددهم 1,246,871,951 نسمة. وقد دخل الإسلام إلى الصين في وقت مبكر من القرن الثامن الهجري على يد التجار المسلمين من العرب والفرس، وصار المسلمون الصينيون بعد ذلك أهم عنصر في الحكم المغولي.
بدأت معاناة المسلمين الصينيين خلال سنوات حكم المنشوريين الأولى والتي امتدت من القرن السابع عشر حتى أوائل القرن العشرين، وقام المسلمون بثورات عدة أسفرت في النهاية عن تكوين دول إسلامية في بعض الولايات لفترات قصيرة، مثل تلك التي قامت في كل من هونان، كانسو، وتركستان الشرقية أكبر الأقاليم الصينية مساحة.
مسلمو البلقان
تعد الأقليات الإسلامية الموجودة في منطقة البلقان وبالأخص في مقدونيا واليونان والجبل الأسود؛ بؤرا للتوتر الدائم في القارة الأوروبية، حيث كانت سياسة الضم القسري وتغيير الحدود في دول البلقان السبب الرئيس في نشوء تلك الأقليات التي تتركز في شماريا اليونانية، مقدونيا، الجبل الأسود. ورغم وجود هذه الأقليات في قارة متحضرة وغنية فإن أوضاعها السياسية والاقتصادية متردية
مسلمو الفلبين
تعدّ الفلبين من أقدم الدول الآسيوية التي دخلها الإسلام على أيدي المسلمين العرب من التجار والدعاة -1310م-، وقام حكم إسلامي في العديد من الجزر الجنوبية وبخاصة جزيرة مِندناو منذ أوائل القرن الرابع عشر الميلادي وحتى القرن السادس عشر، ويشكل المسلمون فيها ما نسبته 11%من السكان بواقع 6 ملايين مسلم تقريبا.
وقد انفجر الوضع العسكري فيها بين الحكومة والمسلمين عام 1970، وتأسست بعد ذلك الجبهة الإسلامية لتحرير مورو وتواصلت هجماتها.
مسلمو ميانمار -بورما-
لا تختلف أوضاع الأقلية المسلمة في بورما عن نظيرتها في الفلبين، وكانت البداية الأولى لنشوء مشكلتهم على يد الحكومة البورمية التي هجَّرت قرابة 200 ألف منهم من إقليم أراكان إلى دولة بنغلاديش المجاورة.
ويطلق على الأقلية المسلمة في بورما شعب الروهنجيا، وهم ينحدرون من أصول عربية، وفارسية، وملاوية، وبحسب المصادر الغربية تبلغ نسبة المسلمين الذين يتمركزون في إقليم أراكان 7% من إجمالي السكان ويبلغ عددهم 3 ملايين مسلم تقريبا.
وقد وصل الإسلام إلى إقليم أراكان في القرن السابع الميلادي، وكوَّن شعب الروهنجيا مملكة دام حكمها 350 عاماً، ثم انفرط عقدها على أيدي الغزاة البورميين عام 1784، وبدأت معاناة الأقلية المسلمة في ميانمار منذ ذلك التاريخ.
مسلمو أوروبا والأمريكتين
لا يوجد إحصاء رسمي يبين حجم الأقلية المسلمة في قارات أوروبا والأمريكتين، لكن بعض المصادر الإسلامية تقدر عدد مسلمي أوروبا بـ 25 مليوناً من أصل 507 ملايين هم عدد سكان القارة الأوروبية، كما تقدر عدد مسلمي الولايات المتحدة الأميركية بـ 10 ملايين، في حين يقترب الرقم غير الرسمي أيضا في كندا من المليون.
فعلى سبيل المثال يبلغ تعداد مسلمي فرنسا ستة ملايين -من أصل 59,329,691 نسمة هم تعداد السكان- منهم 4,2 ملايين من عرب شمال أفريقيا والبقية من مختلف الدول الإسلامية إلى جانب المسلمين الفرنسيين الأصليين، كما أن 2,2 مليون مسلم يحملون الجنسية الفرنسية ويعدّون قوة مؤثرة في الحياة السياسية الفرنسية.
ومن البلدان الأوروبية الأخرى ذات الكثافة الإسلامية العالية مقدونيا وكوسوفا وبلغاريا ورومانيا.
وتختلف أوضاع الأقليات الإسلامية في أوروبا من دولة إلى أخرى، حسب الوضع القانوني السائد في تلك الدولة، وتبعاً للشعور العام السائد داخل المؤسسات الحكومية الأوروبية تجاه الإسلام.