هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةإتصل بنانماذج من توبة المخالفين لأهل السنة والجماعة Emptyأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 نماذج من توبة المخالفين لأهل السنة والجماعة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سعد عنتر
Admin
سعد عنتر


ذكر
عدد المساهمات : 1368
نقاط : 3899
العمر : 32

نماذج من توبة المخالفين لأهل السنة والجماعة Empty
مُساهمةموضوع: نماذج من توبة المخالفين لأهل السنة والجماعة   نماذج من توبة المخالفين لأهل السنة والجماعة Icon_minitimeالخميس سبتمبر 09, 2010 3:35 am



نماذج من توبة المخالفين لأهل السنة والجماعة

من طالع بعض كتب أهل العلم في التاريخ والتراجم وقف على قصص ونوادر في توبة المخالفين، وتركهم بدعهم ورجوعهم إلى السنة وجادة الطريق ولو في الجملة، وأسوق هنا بعض ذلك مثالًا فقط على حدوث ذلك وإمكانه، ولله الأمر من قبل ومن بعد وهو الغفور الرحيم.

1) توبة أربعة آلاف من الخوارج بعد أن ناظرهم ابن عباس رضي الله عنه، مع أن الخوارج من أصحاب البدع الغليظة، وقد ورد فيهم من الأحاديث ما لم يرد في غيرهم من الفرق، فهم كلاب النار، وهم الذين يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، وهم الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم وبشر من قاتلهم أو قاتلوه بالجنة. ومع كل هذا فقد تاب منهم هذا الجم الغفير، وكانوا قبل ذلك على ضلالة يقاتلون عنها، ولم يقل أحد من الصحابة أن توبتهم غير مقبولة، أو أن التوبة محجورة عنهم.

2) توبة صبيغ بن عسل التميمي العراقي: فقد روى الدارمي([1]): (أن صبيغًا جعل يسأل عمر أشياء من القرآن في أجناد المسلمين، حتى قدم مصر، فبعث به عمرو ابن العاص إلى عمر بن الخطاب، فلما أتاه الرسول بالكتاب فقرأه فقال: أين الرجل؟ فقال: في الرحل، قال عمر: أبصر أن يكون ذهب فتصيبك مني العقوبة الموجعة، فأتاه به، فقال عمر: تسأل محدثة، فأرسل عمر إلى رطائب من جريد فضربه بها حتى ترك ظهره وبرة، ثم تركه حتى برئ، ثم عاد له، ثم تركه حتى برئ، فدعا به ليعود له، قال: فقال صبيغ: إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلًا جميلًا، وإن كنت تريد أن تداويني فقد والله برئت. فأذن له إلى أرضه، وكتب إلى أبي موسى الأشعري ألا يجالسه أحد من المسلمين، فاشتد ذلك على الرجل، فكتب أبو موسى إلى عمر أن قد حسنت توبته، فكتب عمر أن يأذن للناس لمجالسته).

3) توبة يزيد بن صهيب الفقير وأصحابه ورجوعهم عن رأي الخوارج: روى ذلك مسلم في صحيحه في حديث طويل قال فيه يزيد الفقير: «كنت قد شغفني رأي من رأي الخوارج، فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد أن نحج ثم نخرج على الناس، قال: فمررنا على المدينة، فإذا جابر بن عبد الله يحدث القوم جالس إلى سارية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال... فإذا هو قد ذكر الجهنميين، قال: فقلت له: يا صاحب رسول الله! ما هذا الذي تحدثون؟ والله يقول: ((إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ)) [آل عمران:192].. و ((كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا)) [الحج:22] فما هذا الذي تقولون؟ قال: فقال: أتقرأ القرآن؟ قلت: نعم. قال: فهل سمعت بمقام محمد عليه السلام؟ يعني الذي يبعثه الله فيه؟ قلت: نعم. فإنه مقام محمد صلى الله عليه وسلم المحمود الذي يخرج الله به من يخرج، ثم ذكر حديثًا طويلًا، ثم قال يزيد: فرجعنا، قلنا: ويحكم! أترون الشيخ يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فرجعنا، فلا والله ما خرج منا غير رجل واحد»([2]).

4) توبة نعيم بن حماد: فيما رواه الذهبي في سير أعلام النبلاء: أن نعيمًا كان يقول: «أنا كنت جهميًا، فلذلك عرفت كلامهم، فلما طلبت الحديث عرفت أن أمرهم يرجع إلى التعطيل» ولهذا وصف بأنه من أشد الناس على الجهمية، ووضع في الرد عليهم ثلاثة عشر كتابًا([3]).

5) توبة عون بن عبد الله: وقع في الإرجاء بعد أن ناظره ناس منهم، ثم رجع عن الإرجاء وقال فيه:

لأول ما نفارق غير شك نفارق ما يقول المرجئونا([4])

6) توبة محرز بن عبد الله أبو رجاء الجزري: قال السخاوي في فتح المغيث([5]):

«...وقيل: إنه لا يروى لمبتدع مطلقًا، بل إذا استحل الكذب في الرواية والشهادة نصرةً، أي: لنصرة مذهب له أو لغيره ممن هو متابع له، كما كان محرز أبو رجاء يفعل حسبما حكاه عن نفسه بعد أن تاب من بدعته؛ فإنه كان يضع الأحاديث يدخل بها الناس في القدر».

7) توبة موسى بن حزام: قال ابن حجر رحمه الله: «...وذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان في أول أمره ينتحل الإرجاء، ثم أعانه الله تعالى بأحمد بن حنبل فانتحل السنة وذب عنها، وقمع من خالفها مع لزوم الدين حتى مات»([6]).

8) توبة الواثق بالله وابنه المهتدي بالله:

قال الفقيه الورع ابن قدامة المقدسي رحمه الله في كتابه التوابين:

«أخبرنا الشيخ الإمام العالم أبو الفرج عبدالرحمن بن علي ابن الجوزي قال: أخبرنا أبو منصور عبدالرحمن بن محمد القزاز وأبو السعود أحمد بن علي بن المجلي. قالا: أنا أحمد بن علي بن ثابت أنا محمد بن أحمد بن رزق أنا أحمد بن سندي الحداد قال: قرىء على أحمد بن المنيع وأنا أسمع قيل له: أخبركم صالح بن علي بن يعقوب الهاشمي قال: حضرت المهتدي بالله أمير المؤمنين، وجلس للنظر في أمور المظلومين في دار العامة، فنظرت إلى قصص الناس تقرأ عليه من أولها إلى آخرها، فيأمر بالتوقيع عليها وينشأ الكتاب عليها وتحرر وتختم وترفع إلى صاحبها بين يديه، فسرني ذلك واستحسنت ما رأيت، فجعلت أنظر إليه، ففطن ونظر إليّ فغضضت عنه حتى كان ذلك مني ومنه مرارًا ثلاثًا إذا نظر غضضت وإذا شغل نظرت.

فقال لي: يا صالح، قلت: لبيك يا أمير المؤمنين، وقمت قائمًا.

فقال: في نفسك منا شيء تريد -أو قال: تحب- أن تقوله؟

قلت: نعم يا سيدي.

فقال لي: عد إلى موضعك.

فعدت حتى إذا قام قال للحاجب: لا يبرح صالح.

فانصرف الناس ثم أذن لي فدخلت فدعوت له فقال لي: اجلس، فجلست.

فقال: يا صالح تقول لي ما دار في نفسك أو أقول أنا ما دار في نفسي أنه دار في نفسك؟

قلت: يا أمير المؤمنين ما تعزم عليه وتأمر به.

قال: أقول أنا إنه دار في نفسي أنك استحسنت ما رأيت منا.

فقلت: أي خليفة خليفتنا إن لم يكن يقول القرآن مخلوق؟

فورد على قلبي أمر عظيم ثم قلت: يا نفس هل تموتين قبل أجلك؟ وهل تموتين إلا مرة؟ وهل يجوز الكذب في جد أو هزل؟

فقلت: يا أمير المؤمنين ما دار في نفسي إلا ما قلت.

ثم أطرق مليًا وقال: ويحك اسمع مني ما أقول، فوالله لتسمعن الحق.

فسري عني. فقلت: يا سيدي ومن أولى بقول الحق منك وأنت خليفة رب العالمين وابن عم سيد المرسلين؟

فقال: ما زلت أقول: إن القرآن مخلوق صدرًا من أيام الواثق حتى أقدم أحمد بن أبي دؤاد علينا شيخًا من أهل الشام من أهل أذنة، فأدخل الشيخ على الواثق مقيدًا، وهو جميل الوجه تام القامة حسن الشيبة، فرأيت الواثق قد استحيا منه ورقّ له، فما زال يدنيه ويقربه حتى قرب منه. فسلم الشيخ فأحسن ودعا فأبلغ.

فقال له الواثق: اجلس فجلس.

فقال له: يا شيخ ناظر ابن أبي دؤاد على ما يناظرك عليه.

فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين ابن أبي دؤاد يصبي ويضعف عن المناظرة.

فغضب الواثق وعاد مكان الرقة غضبًا عليه.

قال الواثق: أبو عبدالله بن أبي دؤاد يصبى ويضعف عن مناظرتك أنت؟!

فقال الشيخ: هوّن عليك يا أمير المؤمنين ما بك، فائذن في مناظرته.

فقال الواثق: ما دعوتك إلا للمناظرة.

فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين إن رأيت أن تحفظ علي وعليه ما نقول.

قال: أفعل.

قال الشيخ: يا أحمد، أخبرني عن مقالتك هذه، هي مقالة واجبة داخلة في عقد الدين فلا يكون الدين كاملًا حتى يقال فيه بما قلت؟

قال: نعم.

قال الشيخ: يا أحمد، أخبرني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه الله إلى عباده هل ستر شيئًا مما أمره الله به في أمر دينهم؟

قال: لا.

فقال الشيخ: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة إلى مقالتك هذه؟

فسكت ابن أبي دؤاد.

فقال الشيخ: تكلم. فسكت فالتفت إلى الواثق فقال: يا أمير المؤمنين، واحدة؟

فقال الواثق: واحدة.

فقال الشيخ: يا أحمد، أخبرني عن الله عز وجل حين أنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا)) [المائدة:3]، هل كان الله تعالى الصادق في إكمال دينه أو أنت الصادق في نقصانه، حتى يقال فيه بمقالتك هذه؟

فسكت ابن أبي دؤاد.

فقال الشيخ: أجب يا أحمد. فلم يجب، فقال الشيخ، يا أمير المؤمنين، اثنتان؟

فقال الواثق: اثنتان.

فقال الشيخ: يا أحمد أخبرني عن مقالتك هذه، هل علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم جهلها؟

فقال ابن أبي دؤاد: علمها.

قال: فدعا الناس إليها؟ فسكت. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، ثلاث؟

فقال الواثق: ثلاث.

فقال الشيخ: يا أحمد، فاتسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن علمها وأمسك عنها كما زعمت ولم يطالب أمته بها؟

قال: نعم.

قال الشيخ: واتسع لأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم؟

قال ابن أبي دؤاد: نعم.

فأعرض الشيخ عنه وأقبل على الواثق فقال: يا أمير المؤمنين، قد قدمت القول إن أحمد يصبي ويضعف عن المناظرة يا أمير المؤمنين، إن لم يتسع لنا من الإمساك عن هذه المقالة بما زعم هذا أنه اتسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر وعمر وعثمان وعلي فلا وسع الله على من لم يتسع له ما اتسع لهم؟

فقال الواثق: نعم. إن لم يتسع لنا من الإمساك عن هذه المقالة ما اتسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر وعمر وعثمان وعلي فلا وسع الله علينا. اقطعوا قيد الشيخ. فلما قطع القيد ضرب الشيخ بيده إلى القيد حتى يأخذه فجاذبه الحداد عليه فقال الواثق دع الشيخ يأخذه فأخذه فوضعه في كمه فقال له الواثق يا شيخ لم جاذبت الحداد عليه قال: لأني نوديت أن أتقدم إلى من أوصي إليه إذا أنا مت أن يجعله بيني وبين كفني حتى أخاصم به هذا الظالم عند الله يوم القيامة، وأقول: يا رب سل عبدك هذا لم قيدني وروّع أهلي وولدي وإخواني بلا حق أوجب ذلك علي. وبكى الشيخ وبكى الواثق وبكينا. ثم سأله الواثق أن يجعله في حل وسعة مما ناله. فقال الشيخ: والله يا أمير المؤمنين لقد جعلتك في حل وسعة من أول يوم إكرامًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ كنت رجلًا من أهله.

فقال الواثق: لي إليك حاجة.

فقال الشيخ: إن كانت ممكنة فعلت.

فقال له الواثق: تقيم قبلنا فننتفع بك وتنتفع بنا.

فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، إن ردّك إياي إلى الموضع الذي أخرجني عنه هذا الظالم أنفع لك من مقامي عليك، وأخبرك بما في ذلك، أصير إلى أهلي وولدي فأكف دعاءهم عليك، فقد خلفتهم على ذلك.

فقال له الواثق: فتقبل منا صلة تستعين بها على دهرك.

فقال: يا أمير المؤمنين لا تحل لي، أنا عنها غني وذو مرة سوي.

فقال: سل حاجة.

فقال: أوتقضيها يا أمير المؤمنين؟

قال: نعم.

قال: تأذن أن يخلى لي السبيل الساعة إلى الثغر.

قال: قد أذنت لك. فسلم وخرج.

قال المهتدي بالله: فرجعت عن هذه المقالة وأظن أن الواثق رجع عنها منذ ذلك الوقت»([7]).

9) توبة أبي الحسن الأشعري: قال الذهبي: «وكان عجبًا في الذكاء وقوة الفهم، ولما برع في معرفة الاعتزال كرهه، وتبرأ منه، وصعد للناس فتاب إلى الله منه، ثم أخذ يرد على المعتزلة ويهتك عوارهم»([8]).

ومن العلماء من أفنى عمره في الكلام والفلسفة والمذاهب السفسطائية، ولكنه تداركه الله برحمة منه فألهمه التوبة ووفقه لها قبيل موته، معلنًا أن كتاب الله وسنة رسوله خير له من غيرهما.

10) فهذا أبو المعالي الجويني([9]) يعلن أن ما كان عليه ضلال ووبال، فقد جاء في شذرات الذهب: «...ومن شعر أبي المعالي:

نهاية إقدام العقول عقال وغاية آراء الرجال ضلال

وأرواحنا في وحشة من جسومنا وغاية دنيانا أذى ووبال

وذكر المناوي في شرحه على الجامع الصغير([10]) ما نصه: وقال السمعاني في الذيل: سمعت أبا المعالي -يعني إمام الحرمين- يقول: قرأت خمسين ألفًا في خمسين ألفًا، ثم حلبت أهل الإسلام بإسلامهم فيها وعلومهم الظاهرة، وركبت البحر الخضم، وغصت في الذي نهى أهل الإسلام عنه، كل ذلك في طلب الحق وهو يأمن التقليد، والآن رجعت من العمل إلى كلمة الحق، عليكم بدين العجائز، فإن لم يدركني الحق بلطفه وأموت على دين العجائز، وتختم عاقبة أمري على الحق وكلمة الإخلاص، وإلا فالويل لابن الجويني. انتهى بحروفه، ف رحمه الله ورضي عنه»([11]).

وقال ابن أبي العز في شرحه على الطحاوية:

11) «وكذلك الغزالي رحمه الله انتهى آخر أمره إلى الوقف والحيرة في المسائل الكلامية، ثم أعرض عن تلك الطرق، وأقبل على أحاديث الرسول، فمات والبخاري على صدره.

12) وكذلك أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي، قال في كتابه الذي صنفه في أقسام اللذات:

نهاية إقدام العقول عقال وغاية سعي العالمين ضلال

وأرواحنا في وحشة من جسومنا وحاصل دنيانا أذى ووبال

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

فكم قد رأينا من رجال ودولة فبادوا جميعًا مسرعين وزالوا

وكم من جبال قد علت شرفاتها رجال فزالوا والجبال جبال

لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية؛ فما رأيتها تشفي عليلًا ولا تروي غليلًا، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات: ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)) [طه:5].. ((إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ)) [فاطر:10]، وأقرأ في النفي: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) [الشورى:11].. ((وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا)) [طه:110]، ثم قال: ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي.

13) وكذلك قال الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الكريم الشهرساني: إنه لم يجد عند الفلاسفة والمتكلمين إلا الحيرة والندم، حيث قال:

لعمري لقد طفت المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم

فلم أر إلا واضعًا كف حائر على ذقن أو قارعًا سن نادم([12])

وكذلك قال أبو المعالي الجويني: يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي إلى ما بلغ ما اشتغلت به، وقال عند موته: لقد خضت البحر الخضم، وخليت أهل الإسلام وعلومهم، ودخلت في الذي نهوني عنه، والآن فإن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لابن الجويني، وهأنا ذا أموت على عقيدة أمي، أو قال: على عقيدة عجائز نيسابور. وكذلك قال شمس الدين الخسروشاهي، وكان من أجل تلامذة فخر الدين الرازي لبعض الفضلاء وقد دخل عليه يومًا فقال: ما تعتقد؟ قال: ما يعتقده المسلمون، فقال: وأنت منشرح الصدر لذلك مستيقن به؟ أو كما قال، فقال: نعم. فقال: اشكر الله على هذه النعمة، لكني والله ما أدري ما أعتقد، والله ما أدري ما أعتقد، والله ما أدري ما أعتقد، وبكى حتى أخضل لحيته...».

إلى أن قال رحمه الله:

«وتجد أحد هؤلاء عند الموت يرجع إلى مذهب العجائز، فيقر بما أقروا به، ويعرض عن تلك الدقائق المخالفة لذلك التي كان يقطع بها ثم تبين له فسادها، أو لم يتبين له صحتها، فيكونون في نهاياتهم -إذا سلموا من العذاب- بمنزلة أتباع أهل العلم من الصبيان والنساء والأعراب.

والدواء النافع لمثل هذا المرض ما كان طبيب القلوب صلوات الله وسلامه عليه يقوله إذا قام من الليل يفتتح صلاته: (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) أخرجه مسلم، توجه إلى ربه بربوبية جبرائيل وميكائيل وإسرافيل أن يهديه لما اختلف فيه من الحق بإذنه، إذ حياة القلب بالهداية»([13]).

قال الحافظ الذهبي في كتابه الماتع سير أعلام النبلاء عند ترجمته لشيخ المالكية ابن الحداد المغربي رحمه الله:

14) «...وكان من رءوس السنة. قال ابن حارث: له مقامات كريمة، ومواقف محمودة في الدفع عن الإسلام، والذب عن السنة، ناظر فيها أبا العباس المعجوقي أخا أبي عبد الله الشيعي الداعي إلى دولة عبيد الله، فتكلم ابن الحداد ولم يخف سطوة سلطانهم، حتى قال له ولده أبو محمد: يا أبة! اتق الله في نفسك ولا تبالغ. قال: حسبي من له غضبت، وعن دينه ذببت. وله مع شيخ المعتزلة الفراء مناظرات بالقيروان، رجع بها عدد من المبتدعة»([14]).

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله:

15) «وفاة معز الدولة ابن بويه:

ولما كان ثالث عشر ربيع الأول منها توفي أبو الحسن أحمد بن بويه الديلمي الذي أظهر الرفض -ويقال له معز الدولة- بعلة الذرب، فصار لا يثبت في معدته شيء بالكلية، فلما أحس بالموت أظهر التوبة وأناب إلى الله عز وجل، ورد كثيرًا من المظالم، وتصدق بكثير من ماله، وأعتق طائفة كثيرة من مماليكه، وعهد بالأمر إلى ولده بختيار عز الدولة، وقد اجتمع ببعض العلماء فكلمه في السنة، وأخبره أن عليًا زوج ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب، فقال: والله ما سمعت بهذا قط، ورجع إلى السنة ومتابعتها»([15]).

وبنفس السياق قال ابن الجوزي رحمه الله:

«لما قيل لمعز الدولة (أحمد بن بويه) وكان رافضيًا يشتم صحابة رسول الله: إن عليًا -رضوان الله عليه- زوج ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، استعظم ذلك!! وقال: (ما علمت بهذا) وتاب وتصدق بأكثر ماله، وأعتق مماليكه، ورد كثيرًا من المظالم، وبكى حتى أُغشي عليه»([16]).

وقال الحافظ الذهبي في توبته كذلك:

«...وكان يتشيع، فقيل: تاب في مرضه، وترضى عن الصحابة، وتصدق وأعتق، وأراق الخمور، وندم على ما ظلم، ورد المواريث إلى ذوي الأرحام...» إلخ([17]).

16) ويحكي الشيخ البكري قصته مع أحد علماء الهند فيقول رحمه الله: «كنت بجوار مسجد في الهند، وكان فيه مدرس إذا فرغ من تدريسه لعنوا ابن عبدالوهاب، وإذا خرج من المسجد مر بي. وقال: أَنا أُجيد العربية لكن أحب أَن أَسمعها من أَهلها، ويشرب من عندي ماءً باردًا.

فأَهمني ما يفعل في درسه، قال: فاحتلت بأَن دعوته وأَخذت (كتاب التوحيد) ونزعت ديباجته ووضعته على رف في منزلي قبل مجيئه، فلما حضر قلت: أَتأْذن لي أَن آتي ببطيخة؟

فذهبت، فلما رجعت إذا هو يقرأُ ويهز رأْسه فقال: لمن هذا الكتاب؟ هذه التراجم شبه تراجم البخاري، هذا والله نفس البخاري.

فقلت: لا أدري.

ثم قلت: أَلا نذهب للشيخ الغزوي لنسأَله– وكان صاحب مكتبة وله رد على جامع البيان- فدخلنا عليه فقلت للغزوي: كان عندي أَوراق سأَلني الشيخ من هي له؟ فلم أَعرف.

ففهم الغزوي المراد، فنادى من يأْتي بكتاب (مجموعة التوحيد) فأُتي بها فقابل بينهما فقال: هذا لمحمد بن عبدالوهاب. فقال العالم الهندي مغضبًا وبصوت عال: الكافر!

فسكتنا وسكت قليلًا. ثم هدأَ غضبه فاسترجع. ثم قال: إن كان هذا الكتاب له فقد ظلمناه.

ثم إنه صار كل يوم يدعو له ويدعو معه تلاميذه، وتفرق تلاميذ له في الهند وإذا فرغوا من القراءة دعوا جميعا للشيخ ابن عبدالوهاب»اهـ([18]).

17) وجاء في كتاب طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة رحمه الله: «هبة الله بن عبد الله بن سيد الكل القاضي، بهاء الدين أبو القاسم القفطي... تفقه على الشيخ مجد الدين القشيري، وقرأ على الشيخ شمس الدين الأصفهاني الأصول في قوص، ودخل القاهرة واجتمع بالشيخين: عزالدين بن عبدالسلام وزكي الدين المنذري، واستفاد منهما ورجع إلى بلده وانتفع به الناس وتخرجت به الطلبة، وولي قضاء إسنا وتدريس المدرسة المعزية بها.

وكانت إسنا مشحونة بالروافض؛ فإن كثيرًا منهم لم ينتقل عن اعتقاد المصريين، فقام في نصرة السنة، وأصلح الله به خلقًا وهمت الرافضة بقتله فحماه الله تعالى منهم، وترك القضاء أخيرًا واستمر على العلم والعبادة»([19]).

* كما أنه أعلن توبته وهدايته كوكبة من علماء الإمامية في العصر الحاضر، فتمسكوا بالسنة جملة وحاربوا البدع وذموها، ودافعوا عن السنة ونصروها.. ومنهم:

آية الله العظمى (كما يسمونه) أبو الفضل البرقعي المتوفى عام (1412هـ)، الذي كتب كتابه (كسر الصنم) في هدم أكبر كتب المخالفين وتقويض أساسه، وله كتب ومقالات ورسائل كثيرة تدعو إلى السنة والتمسك بها، وتنفر من البدعة والشرك.

ومنهم: أحمد الكسروي، الذي ألف كتابه (الشيعة والتشيع) دافع فيه عن الإسلام الحق ومنهج آل البيت، وأن عقائد الشيعة منهما براء. فدفع حياته ثمنًا لذلك فاغتيل عام (1946م) في طهران رحمه الله.

ومنهم: محمد الياسري، الذي كتب كتبًا كثيرة ورسائل عديدة في التوحيد الحق الخالص من البدع والشركيات، فكانت حياته مقابل رفضه للشرك والبدعة وإعلانه التوحيد والسنة، فقتل أثناء رجوعه من صلاة الفجر عام (1997م).

ومنهم كذلك: آية الله العظمى (كما يسمونه) إسماعيل آل إسحاق (علامة خوئيني) الذي تعرض لابتلاءات كثيرة بسبب رفضه للغلو والخرافة، وتمسكه بالكتاب والسنة، فسجن وأهين، ولم يتوقف رحمه الله عن التأليف ونشاطه في الدعوة إلى الله إلى يوم وفاته التاسع من رجب عام (1421هـ) عن عمر ناهز ثلاثًا وستين سنة(*).

كل هؤلاء قادهم البحث إلى الحق والتمسك به، ورد الباطل وذمه والتحذير منه.. وكما قال تعالى: ((إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)) [القصص:56].

وإني لو راجعت كل ما كُتب حول وقوع توبة من كان على بدعة أو غير هدى لطال بي الحال، وأكتفي بهذا لعله يكون مثالًا على غيره. والله المستعان.


([1]) سنن الدارمي (1/67) (148).

([2]) مسلم (1/177) (191).

([3]) السير (10/597).

([4]) تهذيب التهذيب (8/172).

([5]) فتح المغيث شرح ألفية الحديث (1/328).

([6]) تهذيب التهذيب (10/341).

([7]) التوابين (ص:194-199).

([8]) سير أعلام النبلاء (15/86) وانظر (15/89).

([9]) عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني، أبو المعالي، من فقهاء الشافعية، ومن رؤوس المتكلمين، توفي سنة (478)هـ.

([10]) فيض القدير شرح الجامع الصغير (1/424).

([11]) شذرات الذهب (3/358).

([12]) وانظر جواب الإمام ابن الأمير الصنعاني عليه كما في الدرر السنية (1/159) الهامش.

([13]) شرح العقيدة الطحاوية (1/316-319).

([14]) سير أعلام النبلاء (14/206).

([15]) البداية والنهاية (11/279).

([16]) المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (7/38-39).

([17]) سير أعلام النبلاء (16/190).

([18]) مجموع فتاوى محمد بن إبراهيم (1/75).

([19]) طبقات الشافعية (1/111).


(*) انظر: رسالة الماجستير للشيخ (خالد البديوي) بعنوان: (التحولات العقدية المحمودة في صفوف الإمامية في القرن الأخير) جامعة الملك سعود، قسم الثقافة الإسلامية.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://awttany.ahlamontada.com
 
نماذج من توبة المخالفين لأهل السنة والجماعة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: القسم العام :: قسم قوافل العائدين لتوحيد رب العالمين-
انتقل الى: