هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةإتصل بناتفسير الآية (41) من سورة النور Emptyأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تفسير الآية (41) من سورة النور

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سعد عنتر
Admin
سعد عنتر


ذكر
عدد المساهمات : 1368
نقاط : 3899
العمر : 33

تفسير الآية (41) من سورة النور Empty
مُساهمةموضوع: تفسير الآية (41) من سورة النور   تفسير الآية (41) من سورة النور Icon_minitimeالثلاثاء سبتمبر 14, 2010 12:03 pm



تفسير الآية (41) من سورة النور


بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ (النور/41)



المخاطب في هذه الآية هو رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يقول له: ألا تشاهد - أي تشاهد وترى - أن كل ما في السموات والأرض والطير كلها تسبح لله. وهو تعالى عليم بفعلهم. تتحدث جميع الآيات التي فسرناها من سورة النور من أولها وإلى هنا عن مشاهد مختلفة من النور والظلمة، والظلمة طبعا لا تعني سوى الحرمان من النور وتصدق فقط على الناس الذين لا ينتفعون بأحد الأنوار التي خلقها الباري تعالى وكلّف الإنسان بالاستنارة بها.. الإنسان - على سبيل المثال - مكلف بالاستهداء



بنور الوحي والنبوة، والاستعانة بنور فطرته. ولكنه إذا لم يستغل تلك الأنوار يتخبط في الظلمة. ونور الله يملأ الوجود برمته: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ تتحدث هذه الآية عن موضوع ذكره القرآن بعبارات مختلفة في مواضع أخرى. والحقائق التي يذكرها القرآن أسبق من الإنسان على الدوام، وهو أمر طبيعي - وعليه أن يحاول اللحاق بها ولا يرتجي أن يتحدث القرآن في حدود معلوماتنا دوما، لأن هذه المعلومات يمكن تطويرها وتوسيعها- وكل من يبغي الاهتداء بنور القرآن لا بدّ أن يصغي لنداء القرآن ليسمع فحواه. وأحد المواضيع التي يؤكد عليها القرآن هو تسبيح وتمجيد الموجودات لله. يشير القرآن في بعض المواضع إلى أن جميع ذرات الكون تسبح لله وتحمده. بمعنى أن الخشب والحديد - في منطق القرآن - يسبحان لله، وذرات الهواء تسبح له، وكل خلية ونواة تسبح له.



لننظر أولا ونرى هل القرآن يصرح بهذا أم لا؟ ثم نرى بعد ذلك كم استطاع الإنسان بفهمه وعرفانه وعقله الاقتراب من هذا المنطق القرآني؟



لقد صرح القرآن بهذا المعنى في مواضع متعددة وبعبارات مختلفة. اقرأ عليكم في ما يلي ما يحضرني منه. قال تعالى في كتابة الكريم: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ (الإسراء/44). لا يمكن لأحد أن يزعم أنه وضع أذنه على هذه الشجرة أو على ذلك الحجر لكنه لم يسمع شيئا من التسبيح والثناء، ولا حتى من ذرات بدنه. القرآن يقول، إن جميع ذرات الكون، وكل خلية في اللحم والعظم والجلد والدم والشعر تسبح لله على الدوام، في حين أنا لا أسمع شيئا من ذلك هناك يقول القرآن بلى أنكم لا تفهمون شيئا من ذلك ولا تدركونه. لم يقل القرآن: لا تسمعون، بل قال: ﴿وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ﴾.



وهناك فارق بين هذين التعبيرين، لأنه لو قال: (لا تسمعون) فقد يعني ذلك أننا نفقه وجود مثل هذا الأمر ولكننا لا نسمعه، مثلما نفهم الآن أن هذا الجو مليء بالأمواج الراديوية التي تبثها مختلف محطات الإرسال في العالم، لكننا لا نسمعها. بينما يقول القرآن أنكم لا تدركون هذا الأمر فضلا عن عدم سماعكم أياه.



وقبل الانتقال إلى تفسير آيات أخرى، أورد في ما يلي الفرق بين "التسبيج" و"الحمد" في قوله: : ﴿إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ لأن التسبيح والحمد من جملة ما نمارسه نحن، ولأجل أن نفهم ما المراد من قولنا في الصلاة "سبحان ربي العظيم وبحمده" أو قولنا: "سبحان ربي الأعلى وبحمده" أورد هذه المقدمة:



ينقسم الثناء على الله إلى شكلين: أحدهما التسبيح، والآخر الحمد.. التسبيح معناه التنزيه ـ أي تنزيهه عن كل ما ذاته مبرأة منه، وجعله فوق ما هو من شأن مخلوقاته وكل ما ينم عن نقص أو عجز.. وكلمة "سبحان" تعنى أساسا تنزيهه اعتباره محتاجاً، وكذلك تنزيهه من الظلم أو أن نشرك معه أحدا، أو نعتبره مركبا، أو نقول من أين جاء وكيف حصل؟ فالتسبيح إذن معناه أن ننفي عنه الصفات التي نعتبره فوقها واسم وأسمى منها.



الثناء على الله على غرار التوحيد التي ينطوي على صفحتي النفي والإثبات. فحينما نقول: "لا إله إلا الله "، ننفي وجود إله ومعبود غيره من جهة، ونثبته لذاته من جهة أخرى. وكذلك الثناء على الله يحمل في الوقت نفسه معنيي النفي والإثبات. فالنفي بمعنى تنزيهه عن بعض الصفات التي لا يليق أن ننسبها إليه، وهو ما ذكره. إما الحمد فهو وصفه بالصفات الثبوتية فنقول: أن النعم كلها منه، والكمالات كلها له، وأنه بكل شيء عليم، وهو على كل شيء قدير. وهو بصير وحي وسميع وقيوم وملك ومؤمن ومهيمن وعزيز وجبار ومتكبر. وهذه هي الصفات الثبوتية.



إذن فنحن في قولنا: " سبحان ربي العظيم وبحمده" أو "سبحان ربي الأعلى وبحمده" نتصور في أذهاننا مجموعة كبيرة من النواقص وننزه الله عنها، ونتصور أيضا سلسلة من الكمالات وننسبها إليه. وعندما نقرأ في الصلاة سورة الإخلاص فهذه السورة فيها صفات سلبية وصفات إيجابية، ونقول بعدها "كذلك الله ربي" بمعنى أنه يتصف بهذه الكمالات وأنه منزه عن كل نقص كأن يكون له ولد أو يكون له شبيه.



القرآن يقول: أن عمل التسبيح هذا الذي تؤدونه بإرادتكم واختياركم، تؤدي جميع ذرات الوجود. هذه آية من آيات القرآن التي تتحدث عن التسبيح والحمد. كما توجد في القرآن ست سور تبدأ بتسبيح الله، وتسمى بسور المسبحات. سورة الحديد تبدأ بقوله تعالى: ﴿يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ (النور/41) وتبدأ سورتا الحشر والصف بـ ﴿يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ وتبدأ سورة الجمعة والتغابن بقوله : ﴿يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ كما أن ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ (الأعلى/1) أمر يفيد التسبيح.



جاء التسبيح في هذه السور الخمسة بصورة الماضي في ثلاثة موارد، وبصورة المضارع في موردين. وتعني "ما" هنا أن كل شيء في السموات والأرض يسبح لله. ويقول القرآن:: أن جميع الموجودات تسجد لله، وهذه هي حقيقة السجود، أي أن سجود الإنسان ينم عن خضوعه. جميع الموجودات من شمس وقمر ونجوم تسجد لله. ومن الواضح أن ليس المراد هنا أن للشمس جبهة تضعها على التراب. سجود الإنسان دلالة على غاية الخضوع (طبعا تسجيد ظاهري جدا. فالمصلى إذا كان فكره مشتتا هنا وهناك، حتى وإن سجد على التربة وظهر وكأن بدنه خاضع إلا أن روحه غير خاضعة أساسا) من أجل أن تخضع الروح. إذن هناك آيات في القرآن استعملت كلمات: "سبح" و "يسبح".



كما أن هناك آيات أخرى جاءت على ذكر هذا الموضوع بشكل آخر، فبينت مثلا أن الجمادات أو النبات أو الحيوانات تنسق في ما بنيها على تسبيح كذا مقام مقدس معنوي إلهي.. يقول القرآن الكريم عن النبي داود: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ (ص/17). (داود من أنبياء بني إسرائيل، وقد أعطاه اليهود هو وسليمان صبغة يهودية وقالوا أنهما كانا من ملوك الدنيا ومن الميالين إلى الشهوات. إلا أن القرآن وصفهما بما يستحقانه من مكانة). ثم يقول بعد ذلك ﴿إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ﴾ (ص/18) ﴿وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ﴾ (ص/19).



ومن جملة الآيات التي تحمل هذا المعنى هي هذه الآيات من سورة النور، والمخاطب فيها هو رسول الله (صلى الله عليه وآله) ﴿أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ (فسر بعض المفسرين معنى "الم تر" هل تعلم،وأرادوا تعميمها إلى غير الرسول (صلى الله عليه وآله) ولكن قال غيرهم بأن معنى "الم تر" هو هذا المعنى: ألم تشاهد، والمخاطب بها هو الرسول) والمعنى هنا لا يخص المؤمنين وإنما كل أهل الأرض. والأسمى من ذلك أنه أضاف ﴿كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾، أي أن كل من الجبال والشجر والطيور والناس وكل كائن آخر عالم بتسبيحه وبصلاته. والمدهش في الأمر أنه عبر هنا عن هذا المعنى بالصلاة. فنحن سبق وأن أشرنا إلى أنّه عبّر عن هذا المعنى بالتسبيح تارة، وبالحمد تارة أخرى، ولكن هنا عبّر عنه بالصلاة. والظاهر أن بعض المفسرين قالوا: أن المقصود بالصلاة هو الدعاء، ولكن في الحقيقة هي الصلاة، وروح الصلاة الدعاء.. القرآن نفسه عبر عن ذلك بالصلاة.



وهذا يعني وجود مثل هذه الآيات في القرآن الكريم ولا ينبغي التحقيق أولا في المقصود من التسبيح. القرآن يؤكد أن جميع ذرات الكون تسبح لله وتحمده ولكن بني الإنسان لا يفقهون هذه الحقيقة التي حينما ذكرها القرآن لم يكن يستهدف بقاءها لغزا غامضا لا يمكن حله إلى الأبد، بل صرّح بها لأجل أن نسعى لإدراكها وكشفها على قدر قابليتنا على استيعابها.



قلنا يجب أن نسعى في الخطوة الثانية لاستكناه الجهود التي بذلها بنو الإنسان بعد تلقيهم لتوجيهات القرآن في هذا السبيل، وكيف حاولوا تفسير هذه الآيات.



فسرت هذه المجموعة من الآيات على وجهين يمكن القول أنهما كلاهما يتسمان بالحكمة والعرفان، بعضها فسر تفسيرا حكميّا وقيل : أن مقصود القرآن من القول أن كل شيء يسبح لله هو التسبيح التكويني و"لسان الحال" ولسان الحال هو ما يقابل "لسان القال"، ومعناه أن يكون ظاهر الشيء معبرا عن حاله وعما يريد قوله، كأن يأتي إليك شخص يرتدي ثيابا رثة وأنت تتحدث مع صاحبك في الطريق ويقف أمامكما ويلوي رقبته ويمد إليكما يد الاستعطاء، ومع أنه لا يفتح فمه إلا أن حالته تعبر عما يريد قوله. هذا هو لسان الحال. ولكن حينما يأتي الشخص ويقول بلسانه: ساعدوني، أو تصدقوا علي. فهو ما يسمى بلسان القال. وعلى هذا الأساس فالكثير من حالات الإنسان الظاهرية تنمّ عما في ضميره، أو كما يقال أن ما يخفيه الإنسان يظهر في قسمات وجهه.



ولكن كيف ينم عما في ضميره؟ وهو إذا لم يتحدث كيف يستدل عليه؟ الحقيقة أن الكثير مما يريد الإنسان قوله يفهم من خلال حالته. ولعل الأشخاص حينما يلتقون يتفاهمون بلسان الحال أكثر من القدر الذي يتفاهمون به بالكلام.



وقد ذكرت في كتابي المطبوع تحت عنوان "مسألة الحجاب" أن الكثير من الأزياء والحركات تعبر عن لسان الحال. فالشخص حينما يسير وهو نافخ لغديه، ويحالو التحدث بصوت خشن ويضرب الأرض برجليه بقوة كأنه يريد الإيحاء للآخرين أن اخشوني وابتعدوا عني. وكذلك قد ترتدي بعض النساء ثيابا وتسير في الطريق وكأن ثيابها ومشيتها تعبّر بشدّة عن عفافها وسمو شرفها وكأنها تريد القول أنني امرأة شريفة وليحذر الفاسقون من الدنو مني جاء في القرآن الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾ (الأحزاب/28)



وقالوا في شأن نزول هذه الآية، وكذلك استنبطنا نحن أن المراد من: ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ (الأحزاب/59) هو ان يرتدين من الثياب ما لا يلفت إليهن أنظار الذين في قلوبهم مرض، ولا يطمع فيهن طامع). أو قد يحصل العكس أحيانا كأن ترتدي المرأة ثيابا تريد القول من خلالها أنني امرأة فاسقة ومن شاء فليتبعني. وهذا هو ما يسمى بلسان الحال قال البعض أن قول القرآن كل شيء يسبح لله، المراد به لسان الحال، لأن كل شيء هو من خلق الله، ومن خواص المخلوق أنّه يتّسم في جانب منه بالنقص وجانب آخر بالكمال، فالنقص من عنده والكمال من خالقه. إذن فهو في الواقع يصف خالقه بلسان حاله وكأن يريد القول: تبارك الله الذي خلقني. أما طريقة تسبيحه فكأن يقول إن كان فيّ نقص فهو مني، وأن الله تعالى منزه من هذا النقص.



لا ريب في أن كل مخلوق يسبح ويحمد خالقه بلسان حاله، فالمخلوقات تسبح الله بلسان التكوين. وكل أثر يسبح باسم موجده. ولكن هل هذا هو المراد من قول القرآن الكريم: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾؟ لا ولكن هناك تفسير آخر أيضا وهو.



التفسير الثاني - وقد سميته بالتفسير العرفاني - ومفاده: : صحيح أن المخلوقات تسبح خالقها بلسان حالها، إلا أن القرآن يضيف إلى ذلك: ﴿وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ التسبيح بلسان الحال يفهمه الجميع. ناهيك عن أن القرآن يقول: :﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ أي جميع الأشياء والموجودات وليس العاقلة منها وذوات الشعور فقط. إلا أن الضمير "هم" في "تسبيحهم" يوحي بأن جميع الموجودات عاقلة ولها شعور. لأن هذا الضمير "هم" يستخدم في اللغة العربية للأشخاص وليس للأشياء. ومع أن القرآن يتحدث عن الأشياء إلا أنه جاء بضمير العاقل أي أنه يريد القول بأن جميع الأشياء عاقلة وذات شعور.



وجاءت في نفس هذه الآية كلمة "الطير"، ولولا وجود هذه الكلمة لقلنا أ، القرآن يتحدث عمن في السماء والأرض، فالذين في السماء هم الملائكة، والذين في الأرض هم بني الإنسان، والمراد بهم المؤمنين الذين: ﴿كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾ ولقلنا أن الناس والملائكة عالمون بتسبيحهم.. ولكن وردت كلمة "الطير" التي ليس لها عقل وشعور الناس والملائكة. يتضح إذن أن في عالم الطير أمورا لا نفقهها.



ذكر أن التفسير الأول حكمي. للحكيم أبي نصر الفارابي وهو من أكابر حكماء العالم الإسلامي عبارة عن جميلة - اعتقد أنها وردت في كتاب الفصوص - أكد فيها على هذا المعنى، أي معنى لسان الحال، وقال: "صلت السماء بدورانها والأرض برججانها والمطر بهطلانه" لأن جوهر وحقيقة الصلاة ما هي إلاّ التسليم للحق وإطاعة أمره.



إلاّ أنّ مولوي العارف يقول: إن الإنسان العادي لا يدرك تسبيح وحمد الكائنات التي تفهم خالقها حقا وتقدسه وتسبحه وتحمده، وذكر هذا الموضوع في مواضع متعددة. وخلاصة القول أنه يقول: ما من ذرة في الكون إلا وهي سائرة على هذا المنوال .



لنرى الآن ما هو مراد القائلين بان ضجيج تسبيح الكائنات يملأ الكون. هل يقصدون أن الضجيج موجود الآن في الفضاء ونحن لا نسمعه كما هو الحال بالنسبة للأمواج الراديوية؟ كلا، بل يقصدون أن كل موجود وكل ذرّة في هذا الكون لها وجهان وجه نحو هذا العالم وهو وجه ميت. ووجه آخر نحو العالم الآخر وهو وجه ملكوتي يكون كل موجود وفقاً له حياً وذا شعور. ويقولون مثلا أن الخشبة التي تراها لا تدرك كل حقيقتها. وحتى أن أعمق العلوم البشرية الذي يصل حتى إلى عمق الذرات لا يدرك إلا وجها واحد منها. أما وجهها الآخر فهو خارج إطار الحس البشري. ولا يدركه إلاّ أصحاب الحقيقة والمعنى والقلوب الصافية، وحينما يتسنى لهم إدراكها يفهمون حينذاك إلى أي حد هي فاهمة ومدركة ومسبحة وحامدة.



النبي داود كانت تسبح معه الجبال والطير، ولو كنا إلى جانبه لما سمعناها لأن هناك أناس آخرون وكانوا إلى جانبه وما كانوا يسمعونها. داود كانت له إذن أخرى يدرك باطن وملكوت الأشياء. وذلك إذا افتحت أذان قلوبنا نستطيع أن نسمعها أيضا ولا يتوهم البعض أن هذه مرتبة بعيدة لا يبلغها إلا الأنبياء. كلا، ليس من الضرورة أن يكون نبيا. كان من جملة معجزات رسول ا لله (صلى الله عليه وآله) أنه قبض قبضة من الحصا ورآها الناس تسبح وهي في كفه. ولم تكن معجزة الرسول في استنطاق الحصا بالحمد والتسبيح، وإنما تكمن في فتح أذان الناس ليسمعوا تسبيح الحصا لأن الحصا تسبح على الدوام.



أورد لكم في ما يلي مثلا لشخص موثوق من الجميع وكان قد عاش في وقت قريب لأثبت لكم أن هذه الأمور ليست خارقة للعادة إلى ذلك الحد الذي يتصوره البعض، وذلك هو الشيخ عباس القمي الذي كان يعرف بشدة التقوى. كان قد نقل هذه القصة من على المنبر في مدينة قم، وقد سمعتها من إثنين من مراجع التقليد الأحياء حاليا وكانوا قد سمعوها منه أحدهما، آية الله الكلبايكاني الذي قال: كنت جالسا عند منبره وسمعته قال: كنت في شبابي على درجة عالية من صفاء القلب - وحاليا لست كذلك - وذهبت ذات يوم لزيارة وادي السلام وتناهي إلى سمعي وكأن أصواتا مهيبة تنبث من أماكن بعيدة وكان الصوت يشبه صوت بعير يراد كيه وهو يهدر. ولكن بعدما نظرت هنا وهناك لم أجد أثراً لبعير، لكن صوت الرغاء كان قويا، ولاحظت في الأثناء أشخاصا يتحركون في تلك الجهة البعيدة من وادي السلام، فتصورت أنهم يكوون جملا لهم، فسرت صوبهم وانتبهت إلى أن الصوت كان قادما من هناك ولكن لا أثر لجمل، بل أنهم جاءوا برجل ميت ليدفنوه، وأن الصوت صوت الميت، وأنا أسمعه بهذه القوة وهم لا يسمعوه.



فلا يتوهم أحد أن الجميع يسمعون كل ما في الكون من أصوات. بل أن هذا الصوت صوت آخر، والأذن يجب أن تكون من نوع آخر.

قال المجلسي الأول - وهو والد المرحوم محمد باقر المجلسي مؤلف كتاب بحار الأنوار - وكان رجلاً ورعاً وشديد التقوى وهو من تلاميذ الشيخ البهائي: ذهبنا برفقة الشيخ البهائي قبل ستة أشهر من وفاته لزيارة القبور في منطقة تخت فولاذ في اصفهان - والتي يقع فيها قبر بابا ركن الدين - ورأيت فجأة أنه التفت إلينا وقال: ألم تسمعوا شيئا ثم سكت وواصلنا مسيرنا ومنذ ذلك اليوم لاحظنا أن حالة الشيخ قد تغيرت نوعا ما وأخذ ينشغل بنفسه أكثر مما مضى، وصار في وضع يختلف عما مضى.. وخمنا نحن تلاميذه جرأة، واتفقنا أن اسأله عما حدث وسبب له هذا التغيير. فذهب إليه وسألته فقال لي: حينما مررنا بالمقبرة في ذلك اليوم سمعت صوتا انطلق من القبر قائلا: " يا شيخ فكر بنفسك أن أجلك قريب، لماذا لا تفيق إلى نفسك ‍ " وبعدها بستة أشهر توفي الشيخ.



تلاحظون إذن أن الصوت الواحد يسمعه شخص من بين جماعة. ومن البديهي أن عالمنا أعقد وأعمق من هذا. والقرآن حينما يقول: أن ذرات العالم كلها تسبح لله ينبغي أن يقول أحدنا أنني لا أصغي لذلك لا أسمع !‍ وإذا لم تكن هذه الأصوات قد عثر عليها في المختبرات العلمية، فهذا الكلام منشؤه الجهل، والحقيقة شيء آخر غير هذا.



نقل عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: أول ما نزل عليّ الوحي في غار حراء، وانزل جبرائيل الآيات الأولى من سورة العلق: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ (العلق/1) ﴿خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾ (العلق/2) ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ﴾ (العلق/3) ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ (العلق/4)﴿عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ (العلق/5). شعرت حينها وكأن العالم قد تغير بأجمعه، فانطلقت إلى الدار، وكنت كلما خطوت خطوة اشعر وكأن الحصا وكل ذرات الكون تحييني وتسلم علي وتكلمني. وهذا هو أساسا معنى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾. وأي مكان هذا الذي يخلو من نور الله؟‍ وهل من الممكن أن يكون نور الله في موضع ويخلو ذلك الموضع من الوعي والشعور والإدراك ومن الطبيعي أن إدراك كل موجود منوط بدرجته الوجودية.



وعلى هذا فنحن حينما نقول أن الجمادات مجردة من الحياة فكلامنا صحيح بمعنى أنها لا حياة لها كحياة النبات. كلاّ، فالنبات له حياة، وللحيوان حياة أعلى، وللإنسان حياة أعلى وأكثر كمالا. الجمادات في أحد وجهيها لا حياة لها، ولكن لها في الوجه الثاني حياة وشعور وادراك. وهذه هي الحقيقة التي علمناها القرآن في قوله: ﴿أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾.



سبق لي وأن أشرت إلى أن البعض قال أن معنى: " ألم تر؟" هو ألم تعلم؟ والمراد هو أن التسبيح يكون بلسان الحال. إلا أن المرحوم الفيض الكاشاني نقل في تفسيره "الصافي"(ج3، ص439) عن عالم كبير أن المخاطب في هذه الآية هو رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن عالم كبير أن المخاطب في هذه الآية هو رسول الله (صلى الله عليه وآله) أي أنك أدركت كل هذا بالشهود.



وبما أن الآية وردت فيها كلمة "من"، لذلك اعتقد البعض أنها تتسم بالشمولية، وتشمل الملائكة في السماء، والإنسان في الأرض. بيد أن آخرين اعتقدوا أن "من" هنا تختلف عن "ما" الواردة في مواضع أخرى، لأنها تنسب إليها فعلاً من نوع الأفعال الخاصة بذوات العقول. وأن استعمال "من" هنا لا يراد به القول هل المسبحين هم من الناس أم من الملائكة. ولكن بما أن العمل الذي يؤدونه شبيه بعمل الإنسان، لذلك استعمل بشأن الأداة "من " وليس "ما".



﴿كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾ فسرت هذه الآية على وجهين: أحدهما أن الله عالم بصلاة وتسبيح هؤلاء جميعا. لكن الرأي الأفضل - وهو ما تدل عليه القرينة الواردة في الآية اللاحقة، لأن الآية اللاحقة تبين هذا المعنى - أنهم واعون ومدركون لصلاتهم وتسبيحهم: ﴿كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://awttany.ahlamontada.com
 
تفسير الآية (41) من سورة النور
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تفسير من الآية 27 إلى الآية 30 من سورة النور
» إشكال لغوي في الآية 59 من سورة آل عمران
» تفسير سورة الزلزلة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: الأقسام الشرعية :: القرآن والتفسير-
انتقل الى: