ما المقصود بخلق السموات والأرض في ستّة أيام ؟
السؤال:
قال تعالى في محكم كتابه الكريم: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ)(1)، ما المقصود بالأيام الستة في حين لم يكن لليوم والليلة ثمة وجود آنذاك ؟ ثم لمَ لم يخلق الله السموات والأرض في لحظةٍ واحدةٍ ؟
الجواب:
إن هذا السؤال يتضمن شقّين: الشقّ الأول: تعيين المراد من الستة أيام، في حين ليس ثمة وجود لليوم والليلة في بداية الخلقة؟
والجواب عن هذا الشقّ من السؤال هو أن للفظ "يوم" معاني عدّة يتمّ تحديدها من خلال سياق الجملة الوارد فيها، وعادةً ما يستعمل في معناه المشهور المقابل ﻟ "الليل"، وهو ما ورد كثيراً في القرآن الكريم ؛ لكنّه يستعمل أحياناً بمعنى "العصر والعهد" أي مرحلة زمنية خاصة، بحيث لو كان لشيءٍ ما مراحل زمنية متعددة يطلق على كل واحدة منها لفظ "يوم".
فعلى سبيل المثال، يقول الرجل المسنّ: "يوماً كنت طفلاً صغيراً، ويوماً كنت شاباً يافعاً، واليوم أنا شيخ كبير" ؛ فبما أن هذه المراحل الزمنية متسلسلة ومتصلة ببعضها البعض تسلسل حلقات السلسلة الواحدة يعبّر عن كل واحدة منها بلفظ "يوم".
وقال الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): "الدهر يومان: يوم لك ويوم عليك"(2)، أي أن الإنسان طيلة حياته يمرّ بمرحلتين مختلفتين: تارةً تسير الأمور لصالحه وأخرى على عكس ذلك.
وعلى هذا الأساس، فالمراد من "ستة أيام" في الآية الشريفة التي خلق الله فيها السموات والأرض ستة عصور ومراحل زمنية مختلفة مرّت بها السموات والأرض إلى أن وصلت إلى شكلها الفعلي ؛ أي إن هذا الوضع الفعلي للأرض والأجرام السماوية ناتج عن سلسلة من التحولات المتسلسلة التي مرّت بها، وفي المحصلة وبعد قطع هذه المراحل ظهرت بصورتها الراهنة. ثم إن كل من هذه المراحل ربما تستغرق عشرة ملاين سنة أو عشرة مليارات أو غير ذلك.
أما الشقّ الثاني من السؤال فهو: لماذا لم يخلق الله تعالى السموات والأرض في لحظةٍ واحدةٍ، وجرى خلقها بشكل ٍ تدريجيٍّ؟
والجواب على ذلك: إن العالم الذي نعيش فيه هو عالم المادة، والتكامل التدريجي من الآثار الملازمة للوجود المادي، والأمور المادية بطبيعتها تتحول من صورةٍ إلى أخرى وتنتقل من مرحلةٍ إلى أخرى بمرور الزمن وتعاقب العصور، وبالتالي تظهر بشكل حالةٍ متكاملةٍ ؛ والسموات والأرض غير مستثناة من هذا القانون.
فإذا ما أخذتم أيّاً من الظواهر المادية بنظر الاعتبار فستلاحظون أنها تسلّقت سلّم التكامل تدريجياً، فهذه النباتات والأشجار مثلاً تظهر بشكل أزهار وأشجار باسقة ومثمرة بعد مضيّ زمن معين ومرورها بمراحل عدّة، وهكذا المعادن والثروات الطبيعية في باطن الأرض لا تظهر بشكلها النهائي إلا بعد حدوث تفاعلات كثيرة عليها، وكذا الحيوان والإنسان فما لم يقضيان مرحلة الجنين في رحم الأم لمدةٍ محددةٍ لا يستطيعان الوصول إلى هذا العالم المترامي الأطراف. وهذا القانون سائد في جميع أركان عالم المادة بلا استثناء.
1- يونس:3
2- نهج البلاغة: خ72