الزواج واحة غنّاء ، ترفرف على
أشجارها الوادعة أطيار المودة والسكن ، وتغرد
في أفنانها الزاهية بلابل السعادة بألحان المحبة والرحمة ،
{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ
خَلَقَ لَكُمْ
مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ
بَيْنَكُمْ
مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ }
.
غير أن لهذه المعاني السامية رُسَلاً ، تفتح أبوابها ، وتمدُّ من
أفقها ،
وتبقي لها في النفس آثارًا غاية في الروعة والجمال ، والإخلاص
والوفاء .
ولمّا جبل الله تعالى النفس على حب الجمال ، وفطر الرجل أن يميل إلى
حسن
المرأة ، دلّه على ما يمتعه بهذه الفطرة ، بل حثه على ذلك في شرع
الزواج ،
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه :
( أَلَا أُخْبِرُكَ بِخَيْرِ
مَا
يَكْنِزُ الْمَرْءُ : الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ ؛ إِذَا نَظَرَ
إِلَيْهَا
سَرَّتْهُ ،وَإِذَا أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ ،وَإِذَا غَابَ عَنْهَا
حَفِظَتْهُ
)
رواه الترمذي .
ولعلك تتفق معي أن أعظم ما يسر النظر _ بعد فعل الطاعات _ حسن جمال
المرأة
واستعدادها لاستقبال زوجها بشيء من الزينة المعهودة ، فإنه سر عجيب
لفتح قلوب
الأزواج تكسل فيه جملة من الزوجات ثم يشتكين من توتر الأزواج وغلظتهم
عليهن ،
والإعراض عنهن ، والرغبة في عدم البقاء في المنزل بين زوجته وأولاده ،
لأنه
ملّ من رتابة اللباس المبتذل ، وشعر بأن وجوده أو عدمه لا يعني
بالنسبة
لزوجته شيئًا.
ولتتأمل المرأة عبارة (إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ) ، فإن سرور
الرجل
يعني لها فتح مغاليق القلب ، وانشراح الصدر ، وسروره بحبيبه ، ونسيان
اختلافه
معه ، وفتح صفحة ودٍ جديدة ، وتنقش في ذاكرة الزوج صورة عشقٍ لا
تفارقه في
حله وسفره ، ويكون بها الرجل أكثر استجابة لها وتلبية لحاجاتها ..
ولو صعبت
أو كانت مرفوضة سابقًا !!
قال
لي أحدهم بكل صراحة : أدخل البيت أحيانًا وقد امتلأ قلبي غيظًا على
شيءٍ ما
أخطأت فيه زوجتي ..كانشغال سماعة الهاتف مثلاً .. أدخل وقد جمعت لها
كلامًا
ليس لها مخرجًا منه ، وتحقيقًا لن تستطيع إلا الاعتراف بعده ، لكنني
أجد نفسي
في خجل وحياء .. وتراجعٍ سريع عن كل ذلك الاستعداد العسكري للخلاف ،
حينما
أجدها متزينة متهيئة لاستقبالي ولو بقليلٍ من الزينة ، وشيءٍ من
العطر الهادئ
الأخّاذ !
والحديث الذي يرويه البخاري وتقف بعض النساء منه موقف المتحفظ _
والله
المستعان _ وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَا رَأَيْتُ مِنْ
نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ
مِنْ
إِحْدَاكُنَّ ) ، يحمل مفاتيح خطيرة لشخصية الرجل .. وليس الرجل فقط
.. بل
الرجل الحازم ، فهل تشك الزوجة بأن زينتها هي أخطر هذه المفاتيح
وأسهلها
حملاً وعملاً وتأثيرًا ؟ !!
والأمر لا يحتاج منها سوى قليلٍ من الوقت أمام المرآة ، ليعود عليها
بالكثير
من السعادة والبهجة ، ودوام الألفة والصفاء .
فوا عجبًا من كل زوجة ليس لزوجها من زينتها إلا بقيتها ، وليس له من
عطرها
إلا فضلته ، وذلك حينما تُدعى لحفلة زفاف فتلغي كثيرًا من أعمال
المنزل في
ذلك اليوم ، وتقلل من الحديث مع الجميع ، وتنصب ظهرها أمام المرآة
ساعاتٍ
متواصلات ، لتنتهي إلى زينة يفاجأ بها الزوج ويبهر من رونقها ، وقد
علم
يقينًا بأن هذه الزينة المدخرة التي بدت على زوجته في هذه الليلة
البهيجة ليس
له منها إلا بقيتها !!
فلتسأل الزوجة الطيبة نفسها : ما ذا سيقول زوجي عني حينما يراني بهذه
الزينة
وقد قصدتها لغيره ! ولماذا أدخرها لسواه ؟ وكم سأسعد بها هذه الليلة
!! وكم
سأسعد بها إذا كانت له !؟
----------------------