السلام عليكم ورحمة الله
وبركاته
من أعلام القرن العشرين
الشيخ عبدالباسط محمد عبدالصمد
صاحب الحنجرة الذهبية
للكاتب :محمد عبد الشافي القوصي
سبحان الذي أبدع
كتابه وفصّله، وجعله معجزة دونها كل معجزة، فمن دلائل إعجازه أنَّ حفظ
الطفل له أسرع وأسهل من حفظ الشيخ الكبير! لأن هذا الطفل كان قريب العهد
بربه .. وأن الدين وجِد قبل وجود الأوطان "الرحمن. علم القرآن. خلق
الإنسان. علمه البيان"!
فتبارك الذي جمع
القلوب على حب كتابه وتدبّره، والعناية به والجهاد لأجله، فقيّض له أهله
وخاصته، واصطفى منهم القُرّاء والحفّاظ والعلماء والفقهاء والعالمين به
والعاملين.. جعلهم شامة بين الناس، ورفع ذكرهم، حتى صارت أسماؤهم أوضح من
الشمس في ضحاها، والقمر إذا تلاها!
ومنذ نزول
القرآن الكريم، وإلى يومنا هذا .. انقسم الناس أحزاباً وشيعاً في ترتيبهم
لأعلام القُرّاء ومستوياتهم، فمنهم المعجبون بفلان، ومنهم المتدلهون بغيره،
وآخرون يرجحون هذا في "الترتيل" وذاك في "التجويد" .. وهكذا.
ففي العصر
الحديث، قالوا: إن "القُرّاء" عيال على الشيخ "محمد رفعت" في التجويد!
وقيل: إن
القُرّاء في حياتنا كالمصابيح، والشيخ "عبد الباسط" هو النجم الثاقب!
فلم يعرف الناس
في القرن العشرين قارئاً يفري فريّه، أو يطاول قامته .. فهو القارئ الذي
سبقه صوته إلى كل بقعة من الأرض، وغطّت شهرته على أي أمير أو وزير... بل
كان الواحد منهم يقترب منه أكثر وأكثر ليملأ عينه من مشاهدة الشيخ وهو يصدح
بآيات الذكر الحكيم، ومنهم من يسترقي السمع ليتلذذ بسحر التلاوة، وعبقرية
الأداء! القارئ الوحيد
ولقد علم
المستقدمون منهم والمستأخرون مكانة الشيخ، فأنزلوه منزلته، وأجلّوه ووقروه،
وقدّروه حق قدره .. حسبه في ذلك أنه إذا حلّ بدولة ما كان يُستقبل فيها
استقبالاً رسمياً، وتتسابق وسائل الإعلام لتعلن عن مقدم هذا الضيف الكبير!
فالملك فيصل
يكون أول مستقبليه بالرياض، وملك الأردن وحاشيته ينتظرونه بالمطار، بل إن
الملك محمد الخامس عرض على الشيخ أن يترك القاهرة ويذهب معه إلى المغرب
ليستقر هناك، لكن الشيخ رفض، أما في باكستان فكان الرئيس ضياء الحق يتأهب
لمعانقته فور نزوله من الطائرة ... وفي دول أخرى كالهند وسوريا وليبيا
وتشاد وغيرها، فكانت تتحول إلى أعياد ومهرجانات شعبية احتفاءً بالقارئ
الكبير .. الذي هو أزكى عند الناس من ملوكهم وأمرائهم، وأرقى مقاماً وأحسن
قيلا!
إنه القارئ
الوحيد الذي سافرت نحو صوته الجماهير، وانتقلت إليه من بلد إلى بلد، ومن
محافظة إلى أخرى .. فتزاحموا حول صوته، وجلسوا مد بصره .. وكأنَّ على
رءوسهم الطير! حباً جماً في كلام ربهم، وإعجاباً منقطع النظير بصوت شيخهم،
الذي يرقّق المشاعر، ويهذّب النفوس .. ويُذِهب الهمّ والحزن، والعجز
والكسل!
وذات مرة،
تأملتُ في وجوه الناس وهم يستمعون ويستمتعون بصوت الشيخ في الجامع الأزهر،
فرأيت أعناقهم مشرئبة نحو المقرأة، كأنهم ينتظرون أن ينادى على أسمائهم،
وأبصرتُ أيضاً إشراقة من النور تكسو وجوه السامعين، والفرح والسرور يعلو
هاماتهم، وكأنَّ أرواحهم تحلّق مع نغمات الصوت، وترانيم التلاوة التي
تتصاعد رويداً رويداً في الأفق الأعلى، حتى تعانق السماء ذات البروج!
ألم تروا كيف
فعل الصوت الجميل بوجدان الحاضرين والغائبين، والذين جاءوا من بعدهم
بإحسان! فمازال صوته يجري في الأوردة والشرايين، ويتخلل شغاف القلب
وجنباته، ثم يصب في الذاكرة، فترتوي منه الأفئدة ... ولطالما يجد المرء
نفسه يمشي على إيقاع صوته، ويترنم بترانيمه، ويتمايل من فرط إعجابه بنشوة
التلاوة ..
حتى يشقّ على
السامع مغادرة الصوت أو نسيانه مهما راودته نفسه الأمارة!
صاحب الحنجرة
الذهبية!
ومازال القُرّاء
يجيئون ويذهبون، وستأتي أجيال وأجيال .. ويبقى الشيخ "عبد الباسط" علامة
بارزة في مسيرة سفراء القرآن الكريم، فلم يدركه منهم سابقٌ ولا لاحق!
ولا غرو في ذلك،
فهو صاحب "الحنجرة الذهبية" التي هاجرت بالذكر الحكيم إلى ما وراء المشرق
والمغرب، وتخطّت بالنور المبين اليابس والماء .. وقد سُجّلت جميع قراءته
سواء كانت في بواطن المدن أو حافات البوادي، وصُنّفت قراءاته بأسماء
مختلفة، وأوصاف عديدة مثل: "تسجيلات الإستديو"، و"الحفلات الخاصة"،
و"الحفلات الخارجية"، و"التسجيلات النادرة"، و"تسجيلات مسجد الإمام
الشافعي"، و"تسجيلات الحرم"، و"تسجيلات المسجد الأموي"، و"حفلات جنوب
إفريقيا" .. إلى غير ذلك من المسميات التي يعرفها أصحاب شركات الصوتيات!
وبذلك يكون هو
القارئ الوحيد الذي خلّف وراءه أكثر من تسجيل كامل للمصحف "المجوّد"
بقراءات متباينة –وإنْ شئت قل: بمزامير مختلفة- أزرفت دموع المحبين، وقرّحت
أجفان العاشقين، وسلبت النوم عن العارفين!
وأقسم برب
المشرقين ورب المغربين- أنني سمعت أناساً يقولون: ما سمعنا هذا الصوت إلا
وانهمرت منا الدموع مدراراً، بلْ رأيتُ أُناساً إذا سمعوا هذا الصوت بالذات
توقفوا عن الحركة تماماً، ولا يبرحون مكانه، وشاهدتُ من تعروه هزة كالطير
بلّله القطر! والتقيتُ بمن يحفظ أي سورة مادامت بصوت هذا الشيخ، وأخبرني
بعضهم أنهم يستمعون "الشريط" بصوته مرات عديدة، وفي كل مرة يخيّل إليهم
كأنهم يسمعونه أول مرة! وقد رأيت وسمعت الكثير والكثير .. فرأيت ما لا عين
رأتْ، ولا أُذن سمعتْ، ولا خطر على قلب بشر!
الشيخ في مرآة
التاريخ
ولعل هذا الذي
جعل الشيخ "الشعراوي" يقول في ثنايا حديثه عن مشاهير القُرّاء: " ... أما
إذا أردتُ أن أسمع القرآن الكريم، فأستمعُ إلى صوت الشيخ عبد الباسط عبد
الصمد"!
وقال عنه الإمام
الأكبر الدكتور/ عبد الحليم محمود –شيخ الأزهر الأسبق-: "لقد أُوتي الشيخ
عبد الباسط مزماراً من مزامير آل داود"!
وإذا كان قراؤنا
المشاهير أمثال (محمد رفعت، أبو العينين شعيشع، مصطفى إسماعيل، المنشاوي،
الحصري، البنا، وغيرهم) نالوا مكانة رفيعة، وشعبية واسعة، لدرجة أن
المستمعين يميزون أصواتهم ويعرفونها بمجرد سماعهم آية واحدة لأي قارئ منهم
... أقول: إذا كان هؤلاء كذلك، فإن الشيخ عبد الباسط كان ذا مكانة أرفع،
وشعبية أوسع، حتى إنه يعد القارئ الوحيد الذي يستشف المستمعون صوته بمجرد
سماعهم كلمة واحدة فقط! فورب المشارق والمغارب، لقد أراد الله بنا خيراً
أننا أدركنا صوت هذا الشيخ، الذي جاء من أقصى الصعيد يسعى ليملأ سماء
العاصمة وما حولها من القرى بهجة وحبوراً، وقرآناً يتلى آناء الليل وأطراف
النهار.
طرائف عجيبة ..
وحكايات لا تنسى!
ولعل حياة الشيخ
المديدة مع القرآن، والتي ابتدأها منذ صباه الباكر، زاخرة بالعبر، ومملوءة
بالقصص الجميلة .. فمن الوقائع الشهيرة في حياة الشيخ أنه لم تمضِ أشهر
فليلة على إقامته بالقاهرة، حتى وصل صوته إلى كافة أنحاء المعمورة، ومن
يومئذ ظل الشيخ عبد الباسط أهم وأبرز ظاهرة في عالم التلاوة والتجويد في
العالم كله!
وكان أصغر قارئ
سناً التحق بالإذاعة المصرية، بل تم اعتماده دون أن يعقد له امتحان
بالإذاعة كما حدث مع غيره!
وهناك واقعة
رواها لي أحد أصدقاء الشيخ الذي حظي بالسفر معه إلى بلدان بعيدة، إذْ قال
لي: سأروي لك حكاية ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا .. قلتُ:
وما هي يا سيدي؟
فقال: بينما كان الشيخ يقرأ –ذات ليلة- في السنغال، فإذا بحوالي سبعين
شخصاً يعلنون إسلامهم، لجماليات الصوت فقط، دون أن يفقهوا العربية أو
يتعلموها!
وفي "جوهانسبرج"
كان الناس يتشوقون لزيارة الشيخ لهم، فلما زارهم استقبلوه بحفاوة بالغة،
لدرجة أنه بمجرد وصوله إلى هناك تجمعوا حول السيارة التي كانت تقله،
وحملوها على أكتافهم!
بل أكثر من ذلك
طرافة، أنه عندما ذهب إلى إحياء إحدى المناسبات الإسلامية بالهند، لم تتسع
القاعة المخصصة للحفل، حيث تجاوز عدد الحضور ثلاثة ملايين، فاضطروا إلى نقل
مكان الاحتفال إلى "الاستاد" كي يستمتع الحضور بحلاوة وطلاوة الأداء
القرآني العظيم، ومن تقديرهم للقرآن العظيم، ظلوا الليلة كلها وقوفاً
يستمعون إليه وهم حُفاة الأقدام!
الجوانب
الإنسانية
وكما أنعم الله
على الشيخ بنعمة الصوت الرائق العذب الجميل الذي شنّف آذاننا بمزاميره،
كذلك منّ الله عليه بحسن الخلق، فكان يجلله التواضع، ولا يتكلم في أمور
الدنيا إلا إذا طُلب منه الكلام، فكان طويل الصمت، كثير الذكر، شديد
الحياء، دائم التأمل، يصافح الناس في الطريق، يعرفه الناس عن بُعد، فمن رآه
أحبه، ومن خالطه ازداد محبة له .. إلى الحد الذي جعل الناس –كل الناس- في
حياته أصدقاء له ومقربين منه! فلطالما سافر إلى أميركا وبعض دول أوربا ..
إذْ كانوا يدعونه كثيراً عند افتتاح الهيئات والمراكز الإسلامية، لدرجة أنه
قرر أن يتعلم اللغة الإنجليزية، كي يتجاوب مع تلك الشعوب، وبالفعل التحق
بأحد معاهد تعليم اللغات الأجنبية، ودفع مقدماً مبلغ يعادل قيمة أجر ثلاثين
محاضرة، واتفق مع المسئولين بالمعهد بأن يتم التدريس له بمفرده فوافقوا ..
ولكنه لم يحضر سوى ثلاثة أو أربعة محاضرات فقط، بسبب كثرة أسفاره خارج مصر
ولفترات طويلة قد تصل إلى شهور في بعض الأحيان، فأثر ذلك على انتظامه
بالدراسة والمتابعة، حتى انقطع عن استكمال ذلك المشوار! ويحكى أنه لما سافر
إلى "باريس" اشترى له بدلة! لكنه عدل عن ارتدائها، وفضّل البقاء بزيه
الوقور.
ولعل كثرة
أسفاره جعلته يعشق التجديد والتغيير المتواصل .. فكثيراً ما غير محل
إقامته، فمن حي السيدة زينب، إلى جاردن سيتي، ثم إلى المنيل، فإلى حي
العجوزة! ومنذ طفولته، وهو يحلم أن يكون صوته كالشيخ محمد رفعت، فكان
مولعاً به، فكان يمشي مسافات طويلة تتجاوز خمسة كيلو مترات، من أجل استماع
القرآن الكريم بصوته الشجيّ، وكان لا يكف من الثناء على الشيخ مصطفى
إسماعيل، الذي ربطته به صداقة متينة، واصطحبه في بعض أسفاره! في الوقت
ذاته، كان إذا سُئل عن صوت أي قارئ، يقول عنه: جيد .. جميل!
وقد كان الشيخ
واسع الإطلاع، مكثراً من قراءة الصحف، لكنه كان عازفاً عن مشاهدة التلفاز،
بيد أنه كان يحب مشاهدة المسرحيات الكوميدية فقط، وكان "فؤاد المهندس" نجمه
المفضل! وكانت هوايته "السباحة" حتى أنه اشترى له فيلا في الإسكندرية،
ليقضي بها بعض أيام الصيف مع عائلته ... وكان لا يشرب إلا الماء، ويعشق
اللون الأخضر، فمسبحته خضراء، ولون مكتبه أخضر، ولما اشترى سيارة فضّل أن
يكون لونها أخضر أيضاً!
"السمات الفنية"
في قراءات الشيخ
أما عن "السمات
الفنية" التي تميز بها صوت قارئنا الكبير، فسأذكر بعضاً منها .. على سبيل
المثال، أبرزها:
- معايشته
للمعاني القرآنية معايشة روحية وجدانية عاطفية، فكأنه يتمثل نفسه في ذاك
الموقف والمشهد القرآني، بمعنى أنه يتقمص دور الشخصية التي قامت بأداء
الفعل إياه، واستمع إليه إن شئت قوله تعالى: "ونادى أصحاب الأعراف رجالاً
يعرفونهم بسيماهم ..." أو "وجاءوا أباهم عشاءً يبكون ..." أو "إنّ أبي
يدعوك ليجزيكَ أجر ما سقيتَ لنا" إلى غير ذلك من الآيات التي جاءت على
ألسنة الشخوص.
- وهناك "ظاهرة
الاغتراب بالصوت" إلى الحد الذي يجعل المستمع –المجاور للشيخ- يظن أن الصوت
قادم من مكان بعيد جداً، وكأن –الشيخ- يستنزل الألفاظ والجمل القرآنية من
أعالي الجبال أو يأتي بها من وراء البحار، كما في قراءته في سورة القصص
"وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى، قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك
فاخرج إني لك من الناصحين".
- أيضاً، تجد
المرونة والانسيابية والاسترسال المتنوع الموسيقى والمصحوب بذبذبات
متباينة، تهدأ حيناً، وتعلو حيناً آخر ... كما نلمس ذلك في سور القصص
القرآني مثل: "هود، ويونس، ومريم، وطه، والأنبياء، وغيرها.
- وهناك ميزة
عجيبة من مزايا صوت الشيخ، هي وقوفه في الوقت الذي يخيل إلى المستمع أنه
سيوصل القراءة، ويوصل في وقت يخيل إليك أنه حتماً سيقف! وأوضح مثال على ذلك
تسجيلات الحرم الشهيرة، التي يأتي في مقدمتها سور كالتوبة، والحج،
وإبراهيم، وغيرها.
- لكن أبرز ما
اشتهر عن الشيخ في تلاوته: طول النفس، ووصل الآيات، دونما إرهاق أو تكلّف
على الإطلاق، فقوة صوته في أواخر الآية، يربو على صوته في مطلعها .. ولعل
تألقه في قصار السور أبلغ دليل، وأصدق شاهد على ذلك!
- ومعروف أنه
كلما كبر عمر الإنسان، تهدلت حنجرته، وتحشرج صوته ... لكن العجيب في الشيخ
أن صوته ازداد طلاوة مع تقدم سنه، فحملت قراءاته الأخيرة نكهة ومذاقاً يجل
عن الوصف!
ثمرة النبوغ
والموهبة
وهنا، أستطيع
القول بأن الشيخ جنى ثمرة موهبته ونبوغه وهو على قيد الحياة، فحظي بإعجاب
الخاصة والعامة من الناس، ونال من الأوسمة والجوائز والنياشين ما هو أهل
له، فحصل على شهادة تقدير من وزارة الإعلام المصرية بمناسبة عيدها الذهبي
عام 1938م، وفي سوريا كرمه الرئيس صبري العسلي رئيس مجلس الوزراء السوري
عام1956م ومنحه وسام الاستحقاق، وفي لبنان قلده الرئيس سامي الصلح وساماً
رفيعاً، وكذلك قلدته الحكومة السنغالية أرفع الأوسمة, كما منحه رئيس حكومة
ماليزيا تنكو عبد الرحمن الوسام الذهبي في افتتاح المسجد الكبير بالعاصمة
الماليزية كوالالمبور وسط احتفال مهيب عام 1956م ... لكن أكبر الأوسمة،
وأهم النياشين التي حاز عليها –قارئنا الكبير- هو انجذاب الناس نحو بدائع
قراءته والتفاهم حول صوته، كالطير صافات في مشهدها العجيب!
سيقول المغفلون
من الأعراب: أليس كله قرآن .. سواء قرأه من جاء من أقصى المدينة يسعى، أو
قرأه من جاء من أقصى الصعيد خائفاً يترقب؟ نقول لهم: كلا ..
وألف كلا ..
فالإسلام يأمرنا أن نرتل القرآن ونقرأه بأعذب الأصوات وأرق الحناجر "زيّنوا
القرآن بأصواتكم"، "من لم يتغنّ بالقرآن فليس منا"!
وترجّل الفارس!
وهكذا نذر الشيخ
حياته كلها سفيراً فوق العادة للقرآن الكريم، مرتّلاً تارة ... ومجوّداً
تارة أخرى، وبينما هو في غمرة أسفاره ورحلاته التي امتدت من سواحل الهادي
إلى شواطئ الأطلنطي، ومن كوالا لمبور شمالاً إلى جوهانسبرج جنوباً ...
فجأة، وبغير
ميعاد .. لبى الشيخ نداء السماء .. فترجّل الفارس، مغادراً تلامذته
ومريديه، ومودّعاً حنجرته الذهبية، وأحباله الصوتية التي لا شبيه لها ولا
نظير... وفاضت روحه إلى أعلى عليين –بإذن الله- ورحل الشيخ عبد الباسط عبد
الصمد عن دنيانا بجسده، تاركاً للناس –كل الناس- ميراثاً أعزّ وأغلى من أي
ميراث، وثروة تربو على كل الثروات .. فجزى الله –الشيخ- خيراً .. وسلام
عليه في العالمين!