واقع المسلمين اليوم
الحمد لله الواحد القهار ، القائم على كل نفس بما كسبت وهو القوي الجبار ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيز الغفار ، أشكره على رزقه المدرار ، وخيراته الغزار ، أكرم الأمة بنعمة الإسلام ، فجعلها خير أمة أخرجت للناس ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المختار ، اللهم صل وسلم عليه عدد زخات الأمطار ، وعدد قطر البحار ، وعدد ورق الأشجار ، وعلى آله وأصحابه الطيبين الأبرار ، والتابعين الأطهار ، ومن تبعهم بإحسان واقتفى أثرهم واستن بسنتهم إلى يوم الحساب والقرار . . . أما بعد : فاتقوا الله عباد الله ، فالتقوى وصية الله للأولين والآخرين : " ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله " ، " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون " .
أمة الإسلام : كم غيرت الأمم في أديانها وبدلت ، وكم حرفت في معتقداتها فقدمت وأخرت ، حتى التبس عليهم الحق والباطل ، وامتزج الخير بالشر ، قال تعالى : " فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه . . " ، وبعد ذلك التحريف في اليهودية والنصرانية ، لم يبق إلا الإسلام ديناً قيماً ، ديناً ثابتاً ، وحلاً ومخرجاً ، الإسلام هو الحل هو المخرج من كل المآزق والمنحدرات ، والمنقذ من الخلافات والتشعبات ، والحزبيات والبعثيات ، فصدع النبي صلى الله عليه وسلم بنداء لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فرفعت الأمة إليه رؤوسها ، وفتحت له أعينها ، وأصغت له آذانها ، فاهتدت بهداه ؛ فكانت بذلك خير أمة أخرجت للناس ، تأمر بالمعروف ، وتنهى عن المنكر ، وتؤمن بالله ، وتجاهد في سبيله , فخرجت من هذه الصحراء القاحلة لتقول لأساتذة المدنية ، وعباد الوثنية ، وشيوخ الحضارة الزائفة في كل مكان وزمان : جئناكم لنخرجكم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة العيش ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، فبعث الله نبي الرحمة والهدى للإنسانية ليغرس فيها معنى العطف والرحمة ، والألفة والمحبة ، واحترام حقوق الإنسان ، بل وحتى الحيوان ، بُعث هذا النبي العظيم ، ليزرع في البشرية كلمة التوحيد ، أعظم كلمة قالها بشر ، إنها الكلمة المنقذة من عذاب القبر ، ومن فتنة النار ، كلمة لا إله إلا الله ، الإسلام علم الناس العلو والسمو والرفعة ، والعزة والإباء ، وأنه لا يجوز لغير الله الانحناء ، ولا يطأطأ الرأس إلا لله عز وجل ، ولا يسجد لغيره ، ولا يعبد سواه ، مخلصاً له الدين ولو كره الكافرون ؛ " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " ، لقد بث الإسلام في الإنسان روح العزة الإسلامية ، ومعنى الحمية الدينية ، وسر الشجاعة والإنسانية ، حتى علّم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الإنسان الأعزل الفقير علمه ألا يذل ولا يخضع لشيء من متاع الدنيا ، وكيف يذل لغير الله عز وجل : " بل الله أعبد مخلصاً له ديني " ،
تأبى عقيدتنـا تأبـى أصالتنا *** أن يصبح العُـرب أشتاتاً وقطعاناً
فلا لشرقٍ ولا غربٍ نطأطئها *** بل تـرفض الجبهة الشماء إذعاناً
قال تعالى : " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين " ، الإسلام هو العروة الوثقى ، فمن تمسك به هدي إلى صراط مستقيم ، ومن زاغ عنه قذف به في الحميم والجحيم .
أمة الإسلام : كم تعاني البشرية اليوم من الاضطهاد والاستعباد ، وإذلال العباد ، قتال وانتحار ، وانتهاكات ودمار ، زلازل وبراكين ، وإزهاق لأنفس البريئين ، شلالات من الدماء ، وتدمير للبناء ، عواصف مهلكة ، فيضانات مغرقة ، أمراض فتاكة ، واغتيالات خائنة ، خطف وسرقة وتحطيم وتدمير ، أهوال عظام ، وأخطار جسام ، ولا منجي منها إلا الله الواحد العلام ، والتمسك بتعاليم الإسلام ، الإسلام اخوة الإيمان دين الوحدة ، والاجتماع ونبذ الفرقة ، قال تعالى : " إنما المؤمنون اخوة " ، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " . . . بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ " [ أخرجه مسلم ] ، وهكذا نرى أن الإسلام وحدة لا تتجزأ ، وجسد واحد لا يتبعض ، فأين الأمة اليوم من تلك الآيات البينات ، والأحاديث المرشدات ، بل أين المسلمون عن جمع كلتهم ، وتوحيد صفوفهم ، ولم شعثهم ، والولاء لربهم ، والبراء من عدوهم ، كيف لا يكون ذلك والله تعالى يقول : " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم " ، فإن لم يفعلوا ذلك فلن يرحمهم الله ، وسيُذلون ، ويُحتقرون ، ويُستعبدون ، وصدق الله إذ يقول : " وكان وعد ربي حقاً " ، إن الناظر في واقع المسلمين المرير اليوم يجد تصديق ذلك واضحاً جلياً ، كوضوح الشمس في رابعة النهار ، فها هي الأخبار يتناقلها الثقات عن بيع المسلمات العفيفات في أسواق الرقيق العالمية ، بيعت نساء المسلمين كما يباع العبيد قديماً ، وقد حذر الشرع المطهر عن بيع المسلم الحر ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه : عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : قَالَ اللَّهُ تعالى : " ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ " [ أخرجه البخاري ] ، فأين الغيرة والحمية عن سبي النساء المسلمات ، لقد كشف يهودي عورة امرأة مسلمة ، فصاحت واستغاثت ، فقام رجل من المسلمين فقتل اليهودي ، فتحامل عليه يهود فقتلوه ، فدحرهم النبي صلى الله عليه وسلم في عقر دارهم ، وامرأة في زبطره صرخت وامعتصماه ، فجهز جيشاً عرمرماً واكتسح الروم ، واليوم كم هي المآسي التي يتعرض لها النساء المسلمات إثر دخول القوات الكافرة إلى بلاد المسلمين الآمنة المطمئنة ، والأيدي مكتوفة ، والأرجل مصلوبة ، والقلوب منذهلة ، والعقول مشلولة ، أترون أن الله سيعذرنا عما يفعل الكفار بإخواننا ، أم أنه سبحانه سيمهلنا ، فإما الدفاع عن أعراض المسلمات ، وإما الانتقام منا معاشر المسلمين .
دم المصلين في المحـراب ينهمر *** والمستغيثون لا رجع ولا أثر
تساءل الليل والأفلاك ما فعلت *** جحافل الحق لما جاءها الخبر؟
هل جهزت في حياض النيل ألوية *** هل في العراق ونجد جلجل الغير ؟
هل قام مليون مهدي لنصرتها *** هل صامت الناس هل أودى بها الضجر؟
هل أجهشت في بيوت الله عـاكفة *** كل القبائل والأحياء والأسر؟
يا أمة الحق إن الجرح متسع *** فهل ترى من نزيف الجرح نعتبر؟
مـاذا سوى عودة لله صادقة *** عسى تغير هذه الحال والصور
عباد الله : هذه دعوة لكل مسلم يخشى شدة السؤال أمام الله عن واجبه الكبير لإنقاذ أمته بتحقيقه العودة الصادقة إلى الله ، والعمل بجد لها في نفسه ومجتمعه ، ودعوة لكل مسؤول في أمتنا قصر في تحقيق هذا الواجب العظيم، دعوة لكل من يؤذي الدعاة ويلمزهم ، مع علمه أنهم يسعون لإنقاذه وإنقاذ أمتهم ، من أخطار تحيط به وبهم ، ودعوة إلى من ضيعوا الأمة بالمعاصي في وقت هي أحوج ما تكون فيه إلى التمسك بشريعتها والخروج من دوامتها ، واستعادة عزها المجيد ، وسؤددها التليد ، ودعوة لعلمائنا الأجلاء ، تذكيراً لهم بمسؤوليتهم العظيمة في إيقاظ الأمة حتى لا تضيع وسط ركام وسائل الإفساد التي خدرت أمتنا ، فهم أول المسؤولين يوم العرض والحساب ، وقفوهم إنهم مسؤولون ، قال الله تعالى : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه " ، إن واقع المسلمين الحالي يمثّل حجاباً كثيفاً يطمس نور الإسلام ، ومن ثَمّ يجعل هناك صدّاً عن سبيل الله .
أيها المسلمون : عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى منه عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى " [ متفق عليه ] ، الأمة كالجسد الواحد ، يتألم الواحد لألم الآخر ، ويتوجع لوجعه ، ويفرح لفرحه ، هكذا دعا الإسلام أهله ، وتأملوا رحمكم الله كيف أن الغرب اليوم أصبح يطالب بحقوق رعاياه بينما تخلى عن ذلك المسلمون ، فلقد طالبت دول الكفر بتعويضات لمن تضرروا إثر سقوط طائرة أو احتراق ملهى أو مرقص ، فأين المطالبون بحقوق ملاين المسلمين المهدرة ، الذين قتلوا وأخرجوا من ديارهم وأموالهم وأبنائهم ، وتخريب مئات المقدرات التي أهدرت ، ومثلها من المباني التي هدمت ، والطائرات التي أسقطت ، أين العالم عن حادثة الاعتداء وقصف مصنع الأدوية بالسودان ، وأين العدل ومطالبة الحقوق عندما تم الحصار الاقتصادي الظالم الغاشم الذي تعرضت له بعض الدول الإسلامية ، وراح ضحيته آلاف الأبرياء من المؤمنين والمسلمين ، وحدث عن مثل ذلك ولا حرج ، فهذه الأحداث هي البحر الهائج ، والطوفان الهادر ، وحق لمتسائل أن يسأل ، أين الأعراف الدولية ، والقوانين البشرية ، وأين العالم بأممه وهيئاته ، ومنظمات حقوق الإنسان المزعومة ، إنها حبر على قرطاس ، وتخدير لجميع الناس ، هيلمنة إعلامية ، وافتراءات دعائية ، ولو كانوا صادقين فيما يزعمون من دفاع عن حقوق الإنسان ، لسمعنا لكلامهم هدير ، ولصوتهم صفير ، وللمسنا منهم رائحة الاستنكار والوعيد ، والتحذير والتهديد ، لكن لما أخرست ألسنتهم ، وألجمت أفواههم ، وصُمت آذانهم ، وعميت أبصارهم ، فلا حق يريدون ، ولا معروف يعرفون ، ولا إسلام يدينون ، ففي فاسد معتقدهم صادقين ، فملة الكفر واحدة ، وإن اختلفت أجناسها ، وتباينت أقطارها ، فأي مسلم عاقل يلقي باللوم على كافر لم ينصر قضيته ، وإنما العتب على المسلمين أنفسهم :
بأيديهمُ نُوران ِ: ذكرٌ وسُنةٌ *** فما بالهمْ في أحلك الظلماتِ
ما هو موقف الأمة تجاه الأحداث الراهنة على الساحة العربية والإسلامية ، أين شعارات الاستنكار والشجب وعدم القبول ، أين هم عما يحدث لإخوانهم في شتى البقاع ، وبين القلاع ، أم رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ، وقبلوا أن يصبحوا أذناباً وأتباعاً ، أين تحركاتهم وأموالهم ودماؤهم ، بل أين أسلحتهم وعدتهم وعتادهم ، أين اعتمادهم على ربهم ، وتوكلهم على خالقهم ، لماذا لا يقاطعون الغرب الكافر في منتجاته ، ويمنعون استيراد سلعه وبضاعاته ، ألا لا تغفلوا معاشر المسلمين عما حصل من الانتصارات في بدر ومؤته ، والقادسية وحطين ، ولا تنسوا النصر في اليرموك وفتح صلاح الدين لفلسطين ، " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين " ، لقد حملت كتب التأريخ والمغازي عبراً للمسلمين اليوم ، عبراً في العزة بدين الله ، وصدق اللجوء إلى الله سبحانه ، أم أن العقول تاهت في زخم الحياة الدنيا ، فإياكم إياكم أن تغفلوا اليوم عن سُراق الإنسانية ، وأكلة البشرية ، ومتزعموا التصفيات الجماعية ، والقمعيات الوحشية ، أولئك هم عباد الوثنية ، من يهودية ونصرانية ، وشيوعية ومجوسية وهندوسية ، وزاد الأمر سوءاً ، والموضوع خطورة ، ظهور النزعة الشيعية والعلمانية ، وتفشي الحركات الباطنية ، لقد أتوا باسم الإسلام والإسلام منهم براء كبراءة الذئب من دم يوسف عليه السلام ، فلا يجوز بحال أن نشابه النعام ، بل لا بد أن ترفع الرؤوس شامخة أبية ، فهي تدين بدين أعز الله أهله ومعتنقيه ، " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن أكثر المنافقين لا يعلمون " ، فهبوا اخوة الإيمان لنصرة دينكم ، والدفاع عن حوزتكم ، وانصروا قضاياكم العادلة ، وإياكم والتخاذل أو تثبيط الهمم " إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور " ، ومما يجلي مصيبتنا ، ويذهب شيئاً من غيض قلوبنا ، أننا ولله الحمد والمنة ننعم بحكومة رشيدة ، ذات رؤية سياسية سديدة ، لا ترضى الضيم ، ولا تقبل الظلم ، ولا أدل على ذلك من شجبها واستنكارها ، لكل ما يحدث للمسلمين من أحداث دموية خطيرة ، فلا يستغرب ذلك من دولة إسلامية تحتل مكانة مرموقة في قلوب ملايين المسلمين ، فهي معقل الإسلام ، وانبثاق نوره ، فهي راعية الحرمين ، وحامية البلدين الشريفين ، فاللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى ، ووفقهم للعدل والهدى.
عباد الله : إن نصرة أهل الإسلام من الواجبات الشرعية؛ فكيف إذا كانوا مجاهدين أو مظلومين ، لنصرهم أعظم وأكبر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «المسلم أخـو المسلم لا يظلمه ولا يخذله " لقد تضافرت النصوص في الحث على فكاك الأسير المسلم ، فأخرج مسلم من حديث سلمة بن الأكوع : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بمملوكة إلى أهل مكة ففدى بها ناساً من المسلمين المأسورين " ، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قصة الصحيفة وفيها : " وفكاك الأسير " [ أخرجه البخاري ] ، وعن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فكوا العاني : يعني الأسير " ، ألا فليعلم المسلمون أن إنقاذ الأسرى المسلمين فرض على الجميع يجب أن يقوموا به وإلا عمهم الإثم كل حسب قدرته ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " لأن أستنقذ رجلا من المسلمين من أيدي الكفار أحب إلي من جزيرة العرب " [ أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ] ، وحكى ابن حزم الإجماع على وجوب فكاك الأسير المسلم من قبضة الأعداء ، وإخراجه من سجونهم ، وتخليصه من قبضتهم ، فيجب على الأمة جمعاء أن تخرج لاستنقاذ الأسرى ، حتى لا تبقى منا عين تطرف ، ولا طرف يتحرك ، بل ولو كنا جراحاً تنزف ، وأن نبذل جميع أموالنا في استخراجهم حتى لا يبقى لأحدنا دينار ولا درهم ، فإنا لله وإنا إليه راجعون على ما حل بالأمة اليوم من الوهن والخور ، حتى تركوا إخوانهم في أسر العدو ، وبأيدهم خزائن الأموال ، وفضول الأحوال ، والقدرة والعدد ، والقوة والجلد . فأين العالم أجمع عن المعاملات الحيوانية والتصرفات البهيمية التي تتخذ بحق الأسرى المسلمين في كوبا ، وفي غيرها من سجون الكفار ، يُعاملون كفئران التجارب ، والجرذان والعناكب ، وحتى لا نكون مجحفين ، وعن طريق الحق ناكبين ، فلقد استنكرت كثير من وسائل الإعلام الكافرة تلك الاختراقات اللانسانية التي تقوم بها الصليبية ضد إخواننا العزل الأبرياء في تلك السجون الظلماء ، بل تعدى أمر الاستنكار باللسان إلى تجوال عبر الشوارع والطرقات وحمل اللافتات التي تندد بتلك الأعمال الوحشية ، فأين الأمة الإسلامية التي تخلت عن أعظم قضاياها الثابتة ، وأهم مبادئها الحقة " وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون " ، إنها وصمة عار ، وذل وصغار منيت به الأمة يوم أن انقادت لذباحها ، وأسلمت رقابها لجزارها ، فهانت على ربها ، وويل لأمة هانت على خالقها ، وظلم نفسها ، وابتعدت عن دينها ، " وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد " ، فاستمسكوا رحمكم الله بدينكم ، وفكوا أسيركم ، وانصروا مجاهدكم ، ولموا شعثكم ، وإلا كما فعل بغيركم سيفعل بكم ، ولا يفسر القول بغير ما أردت ، ولا يفهم الكلام بغير ما عبرت ، إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت ، والله من وراء القصد ، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه كان للأوابين غفوراً .
-----------------------
الحمد لله رب العالمين ، أحمد على إحسانه ، وأشكره على جزيل توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا وحده لا شريك تعظيماً لشأنه ، واحد في أسمائه وصفاته ، واحد في وحدانيته وربوبيته ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، اللهم صل عليه وعلى آله وأصحابه والأنبياء إخوانه ، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم يلقونه . . أما بعد : فأوصيكم ونفسي بتقوى الله ، والأخذ بزمام النفس وأطرها على الحق أطراً .
أمة الإسلام : الشباب هم عماد الأمة ، ومجدها الشامخ ، ولن يكون ذلك إلا بإعدادهم إعداداً دينياً وعقدياً سليماً ، ثم تدريبهم حربياً ، لمقاومة الأعداء ، والدفاع عن بيضة المسلمين ، فإن لم يحصل ذلك ، وترك لهم الحبل على الغارب ، فستتقاذفهم أمواج الحركات اللادينية ، وتتلوث أفكارهم ، وتتلقفهم الفئات الضالة ، والخارجة عن دينها ، فعلينا أن نأخذ الحذر من تلك الفئة الشبابية التي مزق جدار دينها التناحر ، وجرها للتفجير في بلدها الكافر والفاجر ، فنحن اليوم بحاجة ماسة إلى الشباب فهم قوام الأمة ، ودرعها المتين ، وحصنها الحصين ، وقلبها النابض ، وشريانها المتدفق ، فعلينا معاشر المسلمين العناية بهم عناية فائقة ، وإلحاقهم بحلقات العلم النافعة ، وثني ركبهم حول العلماء الربانيين ، والدعاة المخلصين ، والحذر كل الحذر ممن سولت له نفسه فباع دينه بعرض من الدنيا ، تلك الفئة الضالة ، التي كفرت المسلم ، واتهمت العالِم ، وقذفت الحاكم ، وخرجت عن تعاليم الدين الصحيح ، حتى خرج لدينا ثلة من الشباب المنحرف فكرياً ، والمتسمم عقلياً ، والملوث عقدياً ، فلم يعد قادراً على تحري الصواب ، ومعرفة الجواب ، فالله الله أيها المسلمون بتربية الناشئة تربية إسلامية صحيحة ، وتعليمهم عقيدة سليمة ، والمتابعة المستمرة ، والمعرفة بهم عن كثب ، وتلمس احتياجاتهم عن قرب ، فتلكم بإذن الله هي المنجية من فخ الأعداء ، والخروج من دوامة الجهود الكفرية والتكفيرية التي تتربص ببلادنا الدوائر ، لتلحق بنا الهزائم والخسائر ، فقد جاء اليوم الذي لا بد أن تتضافر فيه جهود الآباء والعلماء والمعلمين ، والأئمة والدعاة والمصلحين ، إزاء هذه الأحداث الناشئة ، والوقائع الحادثة ، بل والغريبة على بلاد الحرمين الشريفين ، بلاد الأمن والأمان ، مهبط الوحي ومنبع الرسالة ، فخذوا على أيدي السفهاء ، وعلموا الجهال ، حتى تسلم البلاد من فتك العباد ، قال تعالى : " واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب " ، " واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم " ، هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى ، والنبي المجتبى ، محمد بن عبد الله ، امتثالاً لأمر ربكم القائل في محكم التنزيل : " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً " ، اللهم صل وسلم على النذير البشير ، والسراج المنير ، الرحمة المهداة ، والنعمة المسداة ، نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وأزواجه أمهات المؤمنين ، وعلى الخلفاء الأربعة الراشدين المهديين ، وسائر الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم برحمتك ومنك وكرمك يا أكرم الأكرمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم فك أسرى المجاهدين في كوبا ، اللهم فك أسرى المسلمين والمجاهدين في أفغانستان وفي الشيشان ، اللهم فك أسرهم في سجون يهود ، وفي سجون الهندوس ، والنصارى ، اللهم فك أسرى المسلمين المستضعفين المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين ، اللهم إنسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، ومن العمل ما تحب وترضى ، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل ، اللهم اهد شباب المسلمين ، ورد ضالهم إليك رداً جميلاً ، اللهم جنبهم أهل الأهواء والفساد والفتن ، اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك ، وأيده بتأييدك ، واجعل عمله في رضاك ، اللهم وفقه وإخوانه وأعوانه لما تحب وترضى ، اللهم أيدهم بالحق وأيد الحق بهم يا رب العالمين ، اللهم إنا نسألك إنك كنت غفاراً ، فأرسل السماء علينا مدراراً ، اللهم أسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أنزل علينا من بركات السماء ، اللهم أغث البلاد ، وانشر رحمتك على العباد ، اللهم إنا نسألك عيش السعداء ، ومرافقة الأنبياء ، ونزل الشهداء ، والنصر على الأعداء ، يا سميع الدعاء ، يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، عباد الله إن الله أمركم بثلاث ونهاكم عن ثلاث ، فقال سبحانه : " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون " ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .