الاستغفار أمان ونعيم لأهل الأرض
(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا / يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا / وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا) نوح / 10-12
تتناول هذه الآيات موقفًا من المواقف التي خاضها نبي الله نوح عليه وعلى نبينا وآله أفضل الصلاة والسلام مع قومه الذين تميزوا بالعناد الشديد، وبعث الله فيهم أنبياء قبله فكذبوهم ولم يؤمنوا لهم، وكذلك تكرر المشهد مع نوح (ع) والذي لبث فيهم تسعمائة وخمسين عامًا يدعوهم إلى توحيد الله ونبذ عبادة الأصنام وترك الكفر، لأن الكفر مما يوجب العذاب الأليم، ولكنهم غرقوا في بحر غيهم وفسقهم وكفرهم فاستحكم عليهم الشيطان فعموا وصموا عن سماع صوت الحق ولم يتدبروا في أمر هذا الكون أو يتفكروا في عاقبتهم أو يتعظوا بحال من مضى قبلهم.
وكان من سعي نوح (ع) هو ترغيبهم بكل ما يتحصل مع المتعة والسعادة دنيا وآخرة، وذلك ليحملهم على عقيدة التوحيد ويستنقذهم من الظلمات والعناد الذي كانوا عليه، وخاطبهم إن كل ما عليكم هو العودة إلى الله والاستغفار والتوبة وإن ذلك كفيل بأن تنعموا بالخير الكثير وتكونوا أغنى الأمم... حيث وفرة المياه وكثرة الزرع والشجر ويكثركم بأن يجعل لكم من البنين والحفدة ما تتواصل به سعادتكم وحياتكم... وغير ذلك من النعم المادية التي يمكن أن تحرك فيهم دوافعهم نحو الإيمان إذ في مثل حالهم وموقفهم لا ينفع معهم الترغيب المعنوي.
ويمكن أن نستوحي نقاطًا مهمة أيضًا من جو هذه الآيات المباركة:
1- إنَّ قوم نوح كانوا يعيشون في ضيق من الثروات، وإلا لما كان في ترغيبهم فائدة.
2- إنَّ نقص الثروات والخيرات قد يكون عقوبة إلهية ليضيق على الكافرين لعلهم يرجعون إلى رشدهم ويؤمنون، كما إنه قد يكون امتحانًا للمؤمنين ليرى صبرهم وثباتهم.
3- إن الإيمان بالله والاستغفار هو مفتاح جلب الخيرات وفتح الأرزاق، وإنَّ الإنسان مهما امتلك من قوة فإنه لا يتمكن من التحكم في هذا الأمر، فالله وحده هو القادر على فتح باب العطاء.
4- إن الله تعالى قد أحكم الكون بسنن وقوانين مرتبطة مع بعضها ترابطًا وثيقًا، فهناك علاقة متينة بين القوانين التكليفيّة للعباد والقوانين الماديّة الطبيعية الحاكمة للكون وكذلك مع القوانين الغيبية التي هي مصدر القوة ومفتاحها هو الإيمان والالتزام بالقوانين التكليفيّة.
وإلا ما علاقة الاستغفار بإدرار السماء ماء عذبًا فراتًا يسقي الأرض والزرع فتخضر به الأرض وتنبت من كل زوج بهيج. وبالماء تستقيم حياة الإنسان لقوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) الأنبياء/30، ومع الرخاء والاستقرار يأتي الغنى والفسحة في الحياة.
إن العلاقة تكشفها القوانين الغيبية، فالله وحده هو القادر على البسط والرزق أو الحبس والمنع والتضييق بحسب حال وشأن هذا الإنسان، فالكون كله بقبضته سبحانه.
وقد ضرب الله أمثلة كثيرة ليؤكد هذه الحقيقة ومن ذلك قوله تعالى: (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ / وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ) النحل/112-113.