قال : " طلاقة الوجه ، وطيب الكلام " ، وقال الشاعر :
وإني لطلق الوجه للمبتغي القــِرى وإن فنــائي للقــرى لرحيب
أضاحك ضيفي عند إنزال رحلـــه فيخـصب عنـدي والمحل جديب
وما الخصب للأضياف أن يُكثر القِرى ولكنـما وجه الكــريم خصيب
فإذا
حضر وقت الطعام ، فإنه يأتيهم بما تسير له ، ولا ينبغي له أن يتكلف ما
لايستطيع ؛ فإن هذا مخالف للهدي النبوي ، وفيه أذى وإحراج للضيف من ناحية
أخرى ، ومن إكرام الضيف : أن يخرج معه إلى باب الدار عند توديعه ؛ فإن ذلك
يشعره بمدى الحفاوة به ، والفرحة بحصول زيارته .
ولئن كان الإسلام قد أولى
العناية بحق الضيف على بعده وقلّة حضوره ، فإن اهتمامه بالجار من باب أولى
، وحسبنا دلالة على ذلك : أن الله تعالى قرن الأمر بالإحسان إليه مع الأمر
بعبادته سبحانه ، قال تعالى : { واعبدوا الله
ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين
والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب } ( النساء : 36 ) ، وأكد النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحق في قوله : ( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ) .
ومن هنا كان إيذاء الجار من كبائر الذنوب عند الله عزوجل ، بل هو منافٍ لكمال الإيمان ، وقد روى البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ) ، قيل : "ومن يا رسول الله ؟ " ، قال : ( الذي لا يأمن جاره بوائقه ) ، أي لا يسلم من شره وأذاه .
ولاشك أن الإحسان
إلى الجار قربة عظيمة إلى الله تعالى ، ومن هنا جعل الإسلام له حقوقا
عديدة ، من جملتها : أن يمدّ جسور المحبة بينه وبين جيرانه ، وأن يأتي كل
ما من شأنه أن يوطّد هذه العلاقة ، ويزيدها قوة ، فيتعهّده دائما بالزيارة
والسؤال عن أحواله ، ويمدّ له يد العون في كل ما يحتاجه ، ويقف معه في
الشدائد والنوائب التي قد تصيبه ، ويشاركه في أفراحه التي تسعده .
ومن
حقوقه أيضا : أن يستر ما يظهر له من عيوبه ، ويحفظ عينه من النظر في
عوراته ، ويتواصل معه بالهدايا بين الحين والآخر ؛ فإن ذلك يزيد الألفة ،
ويقوي المحبة ، مهما كانت الهدية قليلة القدْر ، فإن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : ( لا تحقرن جارة جارتها ، ولو فرسن شاة ) رواه البخاري و مسلم ، والفرسن : هو عظم قليل اللحم .
إن الإحسان إلى الجار ،
والكرم مع الضيف ، يعدان من مظاهر التكافل الاجتماعي الذي يدعو إليه
الإسلام ، هذا وقد ذكر الحديث شعبة أخرى من شعب الإيمان ، وهي المتمثلة في
قوله صلى الله عليه وسلم : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليقل خيرا أو ليصمت ) ففيه دعوة إلى الكلمة الطيبة من ناحية ، ومن ناحية أخرى تحذير من إطلاق اللسان فيما لا يرضي الله تبارك وتعالى .
وقد تظافرت نصوص الكتاب
والسنة على بيان خطر هذه الجارحة ، فكم من كلمة أودت بصاحبها في نار جهنم
، وكم من كلمة كانت سببا لدخول الجنة ، وقد ثبت في البخاري و مسلم أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن العبد ليتكلم بالكلمة ينزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب ) .
وهكذا أيها القارئ
الكريم ، يتبين لنا مما سبق بعضا من الجوانب المشرقة والأخلاق الرفيعة ،
التي يدعو إليها الإسلام ، ويحث على التمسك بها ، فما أجمل أن نتخلق بها ،
ونتخذها نبراسا ينير لنا الطريق .