السنة النبوية بين الظن واليقين
مقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد .... كثيراً
ما يعتمد منكروا على قضية ظنية السنة لردها – السنة - ورفضها أن تكون
مصدراً من مصادر التشريع فى الإسلام جنباً إلى جنب مع القرآن الكريم.
وهم
بهذا لا يستدلون استدلالاً علمياً يقوم على ربط الأسباب بالنتائج ، ولكن
ينطلقون من منطلق الهوى. فمنكر السنة حاقد على رسول الله – صلى الله عليه
وسلم – رافض لكل ما يأتيه من هذا النبى الأمى. متعالٍ على أن يأخذ علماً من
رجل وصفه رب العالمين بالأمية ، حتى لا يطعن الناس فى وحيية ما يأتيه من
الله!!
بل الأكثر من ذلك فإن منكر السنة منازع لخصوصيات رب العالمين.
فمن خصوصيات الربوبية ، التشريع. ومنكر السنة عندما يعطل السنة ، فإنه
بهذا يعطل جزءاً من التشريع ، ثم يبدأ فى الالتفاف لإحلال جزءاً تشريعياً
آخر ، ولكن هذه المرة يأتى به من عنده هو!! مخالفاص لقول ربنا جل وعلا : (
ألا له الحكم والأمر ).
هذا هو الدافع والغرض النهائى لمنكر السنة.
وعندما نتحدث عن السنة النبوية والظن يجب علينا أن نبين الآتى:
· ما هو الظن؟
· وما هى أقسامه؟
· وكيف عالج القرآن الكريم قضية الظن؟؟
وينبنى اليقين فى مسألة قبول النصوص أو ردها على أحد العناصر التالية:
1- المشاهدة : بأن يعاين المرء الحدث بنفسه وفى هذا فإن الله سبحانه ينفى عن الناس العلم بافتقاد الشهادو كما فى قوله : (مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51) ) [ الكهف ].
2- الإجماع : ذلك أن الإجماع هو الوسيلة التى بلغنا بها القرآن نفسه ، ولو رددنا هذا العنصر لوجب علينا أن نرد القرآن وهذا كفر.
فالظن – كما يعرفه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فى شرح كشف الشبهات - : ( إدراك الشئ مع احتمال ضد مرجوح ).
وهو أحد مراتب الإدراك الستة وهى :
1-العلم وهو : إدراك الشئ على ما هو عليه إدراكاً جازماً.
2-الجهل البسيط وهو : عدم الإدراك بالكلية.
3-الجهل
المركب وهو : إدراك الشئ على وجه يخالف ما هو عليه. وسمى جهلاً مركباً
لأنه جهلان : جهل الإنسان بالواقع ، وجهله بحاله حيث ظن أنه عالم وليس
بعالم!
4-الوهم وهو : إدراك الشئ مع احتمال ضد مرجوح.
5-الشك :وهو : إدراك الشئ مع احتمال ضد مساوٍ.
6-الظن وهو : إدراك الشئ مع احتمال ضد مرجوح.
ويمكن لنا أن نعيد نرتب هذه الستة على ترتيب جديد نزولاً من الأقرب إلى الحق إلى ما هو دونه على النحو التالى:
1-العلم.
2-الظن.
3-الشك.
4-الوهم.
5-الجهل البسيط.
6-الجهل المركب.
وبلغة الأرقام والإحصائيات يمكن لنا أن نقيّم مراتب الإدراك من حيث نسبة الصواب والخطأ على النحو التالى:
العلم
صواب بنسبة 100 % ، الشك صواب بنسبة 50% ، الجهل البسيط صواب بنسبة صفر % ،
الجهل المركب أقل من الصفر ، أما الشك فيحتل نسبة أكبر من 50% وأقل من
100% ، ويقابله الوهم ويحتل المساحة التى هى أكبر من صفر % وأقل من 50 %.
ويمكن أن نصور هذا بالمخطط التالى:
معنى
هذا أن الظن يأتى فى الدرجة الثانية من مراتب العلم والذى يعرف بأنه إدراك
الشئ على ما هو عليه إدراكاً جازماً. ولفظة " جازماً " هذه هى التى تفصل
بين العلم وبين الظن ، الذى هو درجة من درجات الإدراك المقبول. فالظن علم
ولكن يحتمل أن يكون هناك ضد لهذا العلم ولكن نسبته أقل من نسبة الشئ
المظنون.
ويمكن
أن نفسر الجزم هذا بأنه اليقين الذى به يتحقق العلم الكامل. وفى عالم
الأخبار والآثار هناك وسائل يمكن أن يتحقق بها اليقين من وقوع المخبر عنه.
منها الإجماع مثلاً. وعند افتقاد هذه الشروط يصعب تحقيق اليقين أو بلوغ
العلم الكامل إلا بمخالطة هذا العلم لواحدة من وسائل الإدراك كالسمع والبصر
مثلاً.
والسمع
بصفة خاصة هو صاحب نصيب الأسد فى بلوغ اليقين وتحقيق العلم الكامل ، ولهذا
نجد أن القرآن الكريم قد قُرن فيه اسم الله ( العليم ) باسم الله ( السميع
) فى اثنين وثلاثين موضعاً منه على النحو الآتى:
· ستة عشر موضعاً بدون تعريف : ( سميع عليم ) .
· خمسة عشر موضعاً بالتعريف : ( السميع العليم ).
· موضعاً واحداً بالنصب : ( سميعاً عليماً ).
بينما لم يقترن اسم الله ( العليم ) باسم الله ( البصير ) فى أى موضع فى القرآن الكريم ، لا بالتعريف ولا بالتنكير ولا بالنصب.
وهذا
أمر متوافق جداً مع العقل ، فكم من كفيف لم يمنعه فقد بصره من أن يكون
عالماً ، بينما لم نر مبصراً أصماً قد بلغ أى درجة من درجات العلم الذى
يشار له بالبنان.
كذلك
فإن فقد حاسة السمع يؤدى إلى فقد حاسة النطق بالتبعية ، مما يعنى أن علمه
سيكون محدوداً ، ذلك أن فقد السمع قد أثر على فقد استقبال العلم وفقد النطق
قد أثر على إرسال العلم. أى أن افتقاد حاسة السمع قد أثر سلباً على
استمرار عملية العلم استقبالاً وإرسالاً.
نخلص من هذا إلى أن الظن ليس جهلاً بل هو علم خالص ، ولكن افتقد لشرط اليقين بسبب عدم مخالطة المعلوم لحاسة من حواس المدرِك.