هو نبوءة الشيخ
محمد رفعت ...بلغت شهرته وذيوع صيته ما سبب له الكثير من المتاعب فقد عين
قارئا للسورة بالجامع الازهر قبل اعتماده بالأذاعة فكانت أول سابقة بل
وآخرها في تاريخ وزارة الأوقاف وذلك بأمر من القصر الملكي.
وهو من مواليد قرية ميت غزال
مركز طنطا محافظة الغربية في 17 / 6 / 1905 م .. كان أبوه فلاحا وقد ألحقه
بكتاب القرية عندما بلغ خمس سنوات و قد استرعى انتباه شيخه و محفظه الشيخ
عبدالرحمن النجار بسرعة حفظه للقرآن مع حلاوة التلاوة في هذه السن المبكرة
إلا أن الطفل مصطفى إسماعيل كان كثير الهرب من الكتاب حيث يلتقي بالطفل
ابراهيم الشال زميله بالكتاب أيضا ويهربا سويا ويهبا إلى قرية دفرة التي
تبعد عن قرية ميت غزال بحوالي سبعة كيلومترات حتى لا يراهما أحد من أهل
القرية إلا أن حظهما كان دائما عثرا وبخاصة أن الطفل مصطفى إسماعيل يعرفه
كل ابناء القرية لما تتمتع به عائلته من أصالة و عراقة ولأن قرية دفرة كانت
قريبة من قريتهما فقد كان أهل قرية ميت غزال يهبون لقضاء حاجياتهم وكان
الناس يهبون بالطفل مصطفى إسماعيل إلى شيخه بالكتاب ويقصون عليه ما رأوه من
لعبه مع زميله إبراهيم الشال فكان شيخهما يضربهما ضربا مبرحا وبخاصة الطفل
مصطفى إسماعيل و يأخذه ويذهب به إلى جده الحاج إسماعيل عميد العائلة وصاحب
الكلمة الأولى والأخيرة فيها فيضربه هو الأخر إلى أن تاب عن الهروب من
الكتاب مرة أخرى وبدأ يلتزم في الحفظ خشية العقاب من جده حتى أتم حفظ
القرآن قبل أن يتجاوز الثانية عشر من عمره وبينما كان الطفل مصطفى إسماعيل
يقرأ القرآن بالكتاب إذ إستمع إليه مصادفة أحد المشايخ الكبار في علوم
القرآن وكان في زيارة لقريب له بالقرية فانبهر بآدائه وعذوبه صوته وسأل
شيخه ومحفظه عنه وعن عائلته فذهب إلى جده وأخبره بأن حفيده سيكون له شأن
عظيم إذا نال قدرا كافيا من التعليم لأحكام القرآن ونصحه بأن يذهب به إلى
المسجد الأحمدي بمدينة طنطا ليزداد علما بأحكام الترتيل والتجويد
والقراءات.
المهندس وحيد مصطفى إسماعيل
..كان لقاء الشيخ مصطفى إسماعيل بالشيخ محمد رفعت فاتحة خير عليه ..كيف كان
هذا اللقاء ؟ ومتي ؟
** كان الشيخ مصطفى إسماعيل قد
ذاع صيته في محافظة الغربية وإشتهر بعذوبة الآداء وأنه صاحب مدرسة جديدة في
الأسلوب لم يسبقه إليها أحد وكان له صديق يكبره سنا يحب الاستماع إليه
ويشجعه يسمى القصبي بك وفي عام 1922 م علم الشيخ مصطفى إسماعيل بوفاة
القصبي بك فقرر أن يشارك في مآتمه فوجد أن أهله قد إستدعوا الشيخ محمد رفعت
لإحياء تلك الليلة فجلس ضيفا على دكة الشيخ رفعت والذي لم يكن يعرفه من
قبل فلما انتهى الشيخ رفعت من وصلته ترك مكانه لهذا القارىء الشاب ليقرأ
فانبهر الشيخ رفعت به وبقراءته وأعجب بآدائه وصوته فأرسل إليه يطلب منه أن
يستمر في التلاوة ولا يتوقف حتى يأذن له هو بذلك مما زاد من ثقة الشيخ
مصطفى إسماعيل بنفسه فظل يقرأ مدة تزيد على الساعة ونصف الساعة وسط تجاوب
الحاضرين وإعجابهم حتى أن الناس خرجوا عن شعورهم وبدأوا يحيونه بصوت مرتفع
يطلبون منه الزيادة والإعادة إلى أن أذن له الشيخ رفعت بختم وصلته ففعل
فقبله وهنأه وقال له : إسمع يا بني أنا حأقولك على نصيحة إذا عملت بها
فستكون أعظم من قرأ القرآن في مصر فأنت صاحب مدرسة جديدة ولم تقلد أحدا
وحباك الله بموهبة حلاوة الصوت والفن التلقائي الموسيقي دون أن تدرس في
معهد موسيقي وأنت مازلت صغيرا في السن ولكن ينقصك أن تثبت حفظك بأن تعيد
قراءة القرآن على شيخ كبير من مشايخ المسجد الأحمدي ..فأخذ الشيخ مصطفى
إسماعيل على نفسه عهدا بأن يذهب إلى المسجد الأحمدي بمدينة طنطا ليتعلم
ويستزيد كما طلب منه الشيخ رفعت فالتحق بالمعهد الأحمدي وعمره لم يتجاوز
الثامنة عشرة بعد.
ترك الشيخ مصطفى إسماعيل
الدراسة بالمعهد الأحمدي قبل أن ينتهي من إكماله تعلمه وترك السكن الذي كان
يعيش فيه مع بعض أقرانه من الدارسين معه بالمعهد دون علم جده الذي كان
يتابعه من وقت لآخر ...فلماذا ترك الدراسة بالمعهد ؟ وماذا فعل جده عند علم
بذلك ؟
** كان الشيخ مصطفى إسماعيل
نزيها يحب النظافة في المآكل والملبس والمكان الذي ينام فيه فلما إلتحق
بالمعهد الأحمدي ليتعلم القراءات السبع وأحكام التلاوة إستأجر مسكنا مع بعض
أقرانه الذين يدرسون معه ولما كان صوت الشيخ مصطفى إسماعيل متميزا عنهم
فقد حظى بشهرة واسعة دونهم حتى أن الناس كانوا يطلبونه كثيرا لإحياء
حفلاتهم وسهراتهم ويغدقون عليه بالمال الوفير فترك المسكن الذي كان يقيم
فيه واستأجر حجرة في بنسيون الخواجايا بمدينة طنطا وترك الدراسة بالمعهد
بعد أن تجاوز ثلثي مدة الدراسة ففتح ذلك باب الحقد عليه من زملائه وأقرانه
الذين هبوا إلى جده وأخبروه بأن الشيخ مصطفى ترك الدراسة بالمعهد منصرفا
إلى القراءة بالمآتم والسهرات والحفلات وترك مسكنهم ليستقل بذاته في بنسيون
الخواجايا وكانت تديره سيده أجنبيه فذهب إليه جده ووجده كذلك كما أخبره
زملائه فضربه بعصا كانت معه معلنا غضبه وسخطه عليه إذا لم يرجع إلى ما كان
عليه وخاصة دراسته بالمعهد وحاول الشيخ مصطفى إسماعيل أن يثني جده عن رأيه
فقال له : هل تحب الشيخ محمد رفعت ؟ فأجابه : نعم ..فقال : وهل تحب أن أكون
مثله ؟ فرد : نعم .. فقال : دعني في طريقي الذي اخترته لنفسي وسوف أحقق لك
هذا الأمل إن شاء الله وبينما هما يتحدثان إذ ببعض الرجال يدخلون عليهما
الغرفة يطلبون مقابلة الشيخ مصطفى إسماعيل للإتفاق معه على إحياء سهرة
لديهم فاشترط الشيخ مصطفى إسماعيل عليهم بأن يكون أجره في تلك الليلة جنيها
مصريا فوافقوا ففرح جده كثيرا به وتأكد له أن لصوت حفيده عشاقا فعانقه
وقبله فما كان من الشيخ مصطفى إسماعيل إلا أن أعطى جده ثلاثين جنيها وطلب
منه أن يشتري له أرضا زراعية " نصف فدان " بقرية ميت غزال فشعر الشيخ مرسي
أن حفيده أصبح رجلا يعتمد عليه - إذ أن من عادة أهل القرى كما يقول المهندس
وحيد مصطفى إسماعيل نجل الشيخ أن من يشتر أرضا يعد من الرجال بحق -
وبالفعل تركه جده وهو فخور به راض عنه ..
لعبت الصدفة .. والصدفة وحدها
دوراً كبيراً في ذيوع صيت الشيخ مصطفى إسماعيل في مدينة القاهرة .. ولولا
تغيب الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي عن القراءة بمسجد الإمام الحسين في حفل
الإذاعة لتأخرت شهرته كثيراً .. أليس كذلك؟
** قد تكون الصدفة دور في معرفة
الناس من أهل القاهرة بصوت الشيخ مصطفى إسماعيل ولكنه كان سيفرض نفسه لا
محالة في أقرب فرصة تتاح له فصوته كان يغزو أسماع الناس في كل المحافظات
التي كان يقرأ فيها, أما عن معرفة الناس به في القاهرة فتلك مصادفة
بالفعل.. فقد ذهب إلى القاهرة لشراء بعض الأقمشة ليقوم بتفصيلها عند أحد
الخياطين المعروفين هناك وبينما هو بالقاهرة تذكر نصيحة الشيخ محمود حشيش
الذي كان يتعهده بالمعهد الأحمدي بمدينة طنطا لما وجد فيه من صوت نقي صادق
معبر بأن يذهب للقاهرة ليشترك برابطة تضامن القراء بحي سيدنا الحسين ...
وهناك ألتقى بالشيخ محمد الصيفي وأخبره برغبته في الإنضمام للرابطة فطلب
منه الشيخ الصيفي مبلغ عشرة قروش قيمة الإشتراك فقال له الشيخ مصطفى أنها
لا تكفي سأرسل إليكم جنيهاً مع بداية كل شهر ولما سأله الشيخ الصيفي عن
اسمه ..أخبره ... فقال له : أنت إذن من تتحدث عنه المشايخ والقراء هنا في
مصر ؟ فقال : لا أدري .. فطلب منه أن يقرأ عليه بعض آيات من القرآن فقرأ في
سورة الفجر فاستعذب صوته وطلب منه أن يأتي إليه في اليوم التالي ليتيح له
فرصة التعرف على كبار القراء .. فذهب إليه وكان في ذلك اليوم ستنقل الإذاعة
حفلاً على الهواء من مسجد الإمام الحسين رضي الله عنه وسيحي الحفل القاريء
الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي إلا أنه تخلف فما كان من الشيخ الصيفي إلا أن
أجلس الشيخ مصطفى علي دكة القراءة ليقرأ فرفض المسؤلون لأنه غير معتمد في
الإذاعة فقال لهم الشيخ الصيفي: دعوه يقرا على مسؤليتي الخاصة ولأن الشيخ
الشعشاعي وضعهم في مأزق بتخلفه عن الحضور فقد استسلموا لطلب الشيخ الصيفي
فقرأ الشيخ مصطفى في سورة التحريم لمدة نصف ساعة بدأت من الساعة الثامنة
حتى الثامنة والنصف وسط إستجابة الجمهور وما أن أنتهيى من قراءته حتى أقبل
عليه الجمهور يقبله ويعانقه وبينما هو يستعد لمغادرة المسجد إذ طلب منه
الحاضرون بأن يستمر في القراءة فظل يقرأ بعد ذلك حتى أنتصف الليل والناس
يجلسون في خشوع وإجلال لآيات الله وكان ذلك بداية تعرف جمهور القاهرة على
صوت الشيخ مصطفى إسماعيل مع بداية عام 1943.
عندما أراد الملك فاروق بأن
يكون الشيخ مصطفى إسماعيل قارئاً للقصر الملكي أنكر بعض القراء معرفتهم
بعنوانه وقالوا أنه مقريء مجهول .. من الذي أخبره بطلب الملك له؟ وكيف تم
الوصول إليه وإلى عنوانه؟
** عن طريق الشيخ محمد الصيفي
رئيس رابطة القراء وقد بدأ هذا الأمر عندما أستمع الملك فاروق لصوت الشيخ
مصطفى إسماعيل في الحفل الي نقلته الإذاعة من مسجد الإمام الحسين فأعجب به
وأصدر أمراً ملكياً بتكليفه ليكون قارئاً للقصر الملكي فحاول محمد باشا
سالم السكرتير الخاص للملك معرفة أية معلومات عن الشيخ مصطفى من الإذاعة
فأخبره بعض القراء بأنه قاريء مجهول لا يعرفون عنه سوى إسمه فهب إلى الشيخ
محمد صيفي الذي أخبره عن عنوانه وبينما كان الشيخ يجلس بين أهله وأولاده
بقرية ميت غزال إذ به يفاجأ بعمدة القرية ومأمور المركز يقتحمان عليه بيته
ويسأله مأمور المركز بأسلوب إستفزازي قائلاً: أنت مصطفى إسماعيل؟ فقال: نعم
وقد ظن أنه أرتكب جرماً كبيراً دون أن يدري فسأله: ما الأمر فقال:عليك أن
تذهب غداً إلى القصر الملكي لمقابلة مراد باشا محسن ناظر الخاصة الملكية
بقصر عابدين فسأله الشيخ : ولماذا؟ قال: لا أدري وعليك أن تنفذ الأوامر..
فسافر إلى القاهرة في صبيحة اليوم التالي والتقى بناظر الخاصة الملكية الي
هنأه بتقدير الملك لصوته وموهبته وأخبره بالأمر الملكي بتكليفه قارئاً
للقصر لإحياء ليلي رمضان بقصري رأس التين والمنتزه بمدينة الأسكندرية.
بالرغم من ذيوع صيت الشيخ
مصطفى إسماعيل في أنحاء مصر وخارجها إلا أن الشيخ محمد رفعت كان يعترض
أحياناً على قراءته لكثرة أخطائه ونصحه بضرورة القراءة مرة أخرى على الشيخ
عبد الفتاح القاضي شيخ عموم المقاريء ومعلم القراءات .. فهل كان لك يغضب
الشيخ مصطفى من الشيخ محمد رفعت؟
** لقد حكى لي والدي بالفعل عن
لقاءاته بالشيخ محمد رفعت وكما ذكرت لك من قبل أن الشيخ محمد رفعت عندما
ألتقى والدي أول مرة نصحه بأن يقرأ على أحد المشايخ الكبار بالمسجد الأحمدي
بمدينة طنطا وبالفعل فقد تعهده الشيخ محمود حشيش شيخ المحفظين والمعلمين
لأحكام القرآن في ذلك الوقت إلا أن الشيخ مصطفى لم يستمر في دراسته في
المعهد بل تركه وتفرغ لإحياء السهرات والليال والمآتم وإنصرف عن الدراسة
وعندما كانا يلتقيان هو والشيخ رفعت كان يذكره دائماً بأنه أول من تنبأ له
بمستقبل عظيم في خدمة القرآن بعذوبة صوته قائلاً: الحمد لله فقد أصبحت
اليوم ذو شأن عظيم وأصبخ صوتك هو الصوت المميز وصاحب المدرسة الجديدة
والفريدة ولكني لازلت أنصحك بأن تراجع قراءتك على الشيخ عبد الفتاح القاضي
فكان الشيخ مصطفى يفرح كثيراً بل يسعد بتوجيهات الشيخ محمد رفعت ولا
يعتبرها إنتقاصاً من قدره أو نقداً له , فهب إلى الشيخ القاضي والذي كان قد
سمع عنه وأستمع إليه في الإذاعة فعشق صوته فأخذ يلازمه أينما ذهب ليبين له
أوجه القصور في قراءته فبدأ يحسن من آداءه حتى أطمأن الشيخ القاضي على
قراءته وطمأنه عليها فشكر له وللشيخ محمد رفعت حبهما وتقديرهما وغيرتهما
عليه فكان لك من قبيل الحب في الله بينهم جميعاً.
عينته وزارة الأوقاف قارئاً
لسورة الكهف بالجامع الأزهر.. فأعترض القراء المقيدون بالإذاعة ..لماذا؟
** كما ذكرت حضرتك فقد زادت
غيرة القراء من شهرة الشيخ مصطفى وأسلوبه الجديد الغير مقلد وحب الناس له
وثقة الملك في موهبته وأخيرا تعيينه قارئا للسورة يوم الجمعة بالجامع
الأزهر لأن الأذاعة كانت تنقل الصلاة من الجامع الأزهر ولم يكن قد تم
اعتماد الشيخ مصطفى بالأذاعة بعد فقالوا : كيف تنقل له الإذاعة وهو غير
مقيد بها وكثرت الشكاوي ضده وضد وزارة الأوقاف والمسئولين عنها وتحيزهم له
فكان الشيخ يندهش من تلك الحرب ويقول : أليست قراءتي في قصر الملك والذي
تنقله الأذاعة تكفي ليكون ذلك بمثابة شهادة موثقة من المسئولين بالأذاعة
بأهليتي للقراءة بها .. وكان حزينا لموقف القراء منه وخاصة القدامى منهم
..فما كان من الأذاعة إلا أن أرسلت إليه وتم تحديد ميعاد لامتحانه ..
فاستمع إليه أعضاء اللجنة وكان بينهم الشيخ الضباع والشيخ عبدالفتاح
الشعشاعي وأجازته اللجنة قارئا بالأذاعة .
بعد أن أصبح الشيخ مصطفى
قارئا للقصر الملكي أقام بفندق شبرد ..فهل كان للملك علاقة باختياره لهذا
السكن ؟
** كان الشيخ مصطفى نزيها منذ
أن عرف الدنيا وقبل أن ينال شهرته وقد ذكرت لحضرتك أنه بمجرد أن انتقل إلى
مدينة طنطا وأصبح معه بعض المال ترك المسكن الذي كان يعيش فيه مع بعض
زملائه من أهل القرية وإستأجر حجرة بمفرده في بنسيون نظيف لأنه يعشق
النظافة ولذا فبعد أن نال قدرا من الشهرة بمدينة طنطا كان يهب إلى القاهرة
ليشتري أرقى الأقمشة ويذهب بها إلى أشهر الخياطين ليكون قارئا نظيفا وجيها
لا يهمه فقط جمع المال بل يسعد نفسه بهذا المال كذلك ولذا فعندما إستقر به
المقام في القاهرة عام 1944 م نزل بفندق شبرد وكان الفندق في ذلك الوقت لا
يقيم فيه هذه الإقامة شبه الدائمة إلا الأثرياء أو الأجانب ولم يكن الشيخ
مصطفى إسماعيل من الأثرياء ولكنه كان يتمتع بماله وكان إيجار الغرفة في
الليلة الواحدة أربعة جنيهات في ذلك الوقت وهذا المبلغ يكفي لإعاشة فردا
واحدا لمدة شهر كامل ولم يكن للملك فاروق أي علاقة باختياره هذا السكن ولكن
إستقرار الشيخ في القاهرة والرغبة في أن يحيا حياة رغدة هو الدافع وراء
ذلك.
كيف بدأت علاقته بالرئيس
السادات ؟
** الرئيس السادات كان يحبه
كثيرا وكان يعشق صوته حتى أنه كان يقلده في أسلوب وآداء وطريقة قراءته
عندما كان بالسجن وكان الرئيس السادات يتحدث عن ذلك مع والدي وقد صرح أخيرا
أحد رفقاء الرئيس السادات في السجن في برنامج على الناصية للسيدة آمال
فهمي يما ذكرت لحضرتك ولن أكون مغاليا إذا قلت أن الرئيس السادات وافق على
تعيين القارىء الطبيب أحمد نعينع برئاسة الجمهورية عندما استمع إليه عن
طريق الصدفة فوجده يقلد الشيخ مصطفى إسماعيل فأحبه السادات وعينه قارئا
لرئاسة الجمهورية.
وماذا عن علاقته بالكاتب
الصحفي أنيس منصور ؟
** في بداية الستينيات كان
الكاتب الصحفي أنيس منصور يعد برنامجا للتلفزيون تقدمه المذيعة أماني ناشد
وقد طلب أن يعد حلقة خاصة عن حياة الشيخ مصطفى إسماعيل ..ولأن الشيوعية
كانت في هذه الفترة في أوج أنتشارها بمصر فقد طلب أنيس منصور من الشيخ
مصطفى أن يكذب على الناس ويقول لهم أنه تربى في بيئة فقيرة وأنه كافح في
حياته كفاحا مريرا حتى يثبت وجوده وأن ما به من نعمة الآن إنما جاء بعد جوع
وحرمان شديدين وعند بداية التسجيل سألته المذيعة عن بداية مشوار حياته
ففاجأها بقولة : الحمد لله فقد أنعم الله علي بالخير الوفير منذ نعومة
أظافري وبدايه حياتي مع القرآن ولم أنم يوما واحدا على الرصيف كما طلب مني
أنيس منصور أن أقول فحياتي كلها رغدة والحمد لله ولم أشعر بالذل أو الهوان
يوما واحدا فأغتاظ أنيس منصور من كلام الشيخ مصطفى إسماعيل , ولكنه وللأسف
لم يتحد معه في هذا الشأن طيلة حياته إلا أنه وبعد وفاته بسبع سنوات هاجمه
في الصحف وفي جريدة الأهرام ووصفة بأنه كان يعيش عصر التسيد لأن زوجته
وأولاده يقبلون يده إلا أنه أعتذر بعد ذلك في مقال آخر .
قيل أن عمال شركة غزل المحلة
قاموا بحمل سيارة الشيخ مصطفى إسماعيل على أكتافهم وهو بداخل سيارته ...فهل
هذا الكلام صحيحا ؟
** كان ذلك عام 1958 م وكنت
مصاحبا له في تلك الليلة حيث طلب منه شابان فقيران توفي والدهما الذي
أوصاهما قبل وفاته أن يستدعيا الشيخ مصطفى إسماعيل ليقرأ في مآتمه فاستجاب
الشيخ لهما وبينما نحن على مشارف البلدة إذا بآلاف العمال يقفون على الطريق
وينتظرون وصول سيارة الشيخ ودخلنا البلدة في مظاهرة حب يفوق الوصف وأثناء
خروجنا من البلدة بعد أنتهاء السهرة إذ بعمال شركة غزل المحلة يرفعون
السيارة التي كنا نستقلها فوق أكتافهم تكريما للشيخ مصطفى وتعبيرا منهم عن
خالص حبهم له وقد تنازل الشيخ عن أجره في تلك الليلة .
كان الشيخ مصطفى إسماعيل يحرم
الأجر الذي يتقاضاه من القراءة في السهرات والمآتم ..فلماذا كان يتقاضى
مقابلا لقراءته إذن ؟
** في الحقيقة لقد لمست حضرتك
أمرا هاما وحصلت على إقرار لم يصرح به سوى لي عن عدم رضائه عن المال الذي
يحصل عليه القارىء نظير قراءته في الحفلات والسهرات فكان يقول: إن قراءة
القرآن بهذا الشكل وبهذا التغالي في الأجور يجعل الله غير راضي عن تلاوتنا
للقرآن ولكن ولأن هذه المهنة دخل عليها من ليسوا لها فيجب فقط أن يحصلوا
على المقابل الذي يضمن الانفاق عليكم بما يضمن لكم حياة كريمة ولذا فأنا
مضطر لأن أطلب فقط هذه المبالغ حفاظا على كرامتي كقارىء له كيانه بالنسبة
لباقي القراء الذين يطلبون أكثر وهم ليسوا أهلا لذلك , والناس لا يقدرون
قيمة القارىء إلا إذا تغالى في رفع قيمة أجرة وهذه مصيبة كبيرة نخشى
عواقبها.
ماهو آخر أجر حصل عليه الشيخ
مصطفى إسماعيل ؟
** أحب أن أوضح أن الشيخ مصطفى
إسماعيل لم يتفق أبدا أو يشترط مبلغا معينا إلا إذا طلب منه من يدعوه أن
يوضح له ذلك أما بخلاف هذا فكان يقبل أي مبلغ دون مناقشة وكان آخر أجر حصل
عليه هو مبلغ ألف وخمسمائة جنيه في الليلة.
كان الشيخ مصطفى إسماعيل كثير
السفر إلى الأسكندرية ويقضي فيها معظم وقته ..فما سبب ذلك ؟
** كان يحب مدينة الأسكندرية
ودائم التردد عليها ويذهب إليها كل أسبوع ليقضي بها يومين أو ثلاثة وكان
ينزل بشقة العائلة مالم يكن هناك أي ارتباط آخر أما غير ذلك فيذهب إليها
حتى في فصل الشتاء .
ماهي البلاد التي زارها وقرأ
القرآن فيها؟
** لقد دعي في سوريا
والسعوديةولبنانوالعرا وأندنوسيا وباكستان ورافق الرئيس السادات في زيارته
التاريخية لمدينة القدس كما قرأ في مساجد ميونخ وباريس ولندن.
ماهي الأمنية التي توفى قبل
تحقيقها؟
** كان أغلى أمانيه ألا يلقى
الله إلا وهو يقرأ القرآن وكان آخر ما دعى به ربه قبل وفاته بثلاث شهور
اللهم لاتحرمني من التلاوة حتى ألقاك وقد تحقق له ما أراد فكان آخر شيء
فعله قبل وفاته هو تلاوة القرآن الكريم في إحدى السهرات الخارجية بمدينة
دمياط (...).
وكان يومه الأخيرفي الحياة هو
يوم الجمعة 22 ديسمبر سنة 1978 م حيث سافر من عزبته في قرية ميت غزال
الساعة التاسعة صباحا مودعا ابنته التي كانت تصطحبه هناك متجها إلى بلدة
دمياط للقراءة في افتتاح جامع البحر هناك في ذلك اليوم وقبل أن يصل
إلىدمياط كان يداعب سائقه كعادته وكان يقرأ يعض القرآن في السيارة ويقول
السائق إن الشيخ كان حائرالأنه كان ينسى بعض الآيات القرآنية التي كان
يرددها فيلتفت إلى السائق قائلا : والنبي قل لي يامحرم إيه الآية اللي بعد
الآية دي ؟
وقرأ الشيخ تلاوته الأخيرة
وكأنه يودع مستمعيه للأبد وبعدها طلب من السائق الرجوع إلى قريته بجوار
طنطا وعند مفترق الطريق بين طنطا والمحلة الكبرى طلب منه التوجه إلى
الأسكندرية وكان مرحا جدا مع محرم " السائق " وعند دمنهور طلب من السائق
التوقف لشراء بعض سندوتشات فول وأكلها مع سائقه وكانت آخر ما أكل الشيخ في
حياته.
توجهت السيارة إلى داره بحي
رشدي في الأسكندرية وطلب من سائقه أن يضع المشمع فوق السيارة فتعجب السائق
لهذا الطلب لأن الشيخ مصطفى كان يمنعه دائما من وضع هذا المشمع فوق السيارة
خشية أن يتلف لونها ويلزق فيها ولما أبدى السائق دهشته قال له بالحرف
الواحد " أنا مش طالع تاني يا سيدي "
دخل الشيخ منزله وطلب من خادمته
وزوجها أن يجلسا معه في الصالون وظن زوج الخادمة أن الشيخ يريد طردهما من
المنزل لأنها كانت أول مرة يدخل فيها زوج الخادمة المنزل وأبدى الشيخ حبه
للإثنين وطلب منهما الحفاظ على المنزل وأن يشربا الشاي معه.
قالت فراشة المنزل :" وفجأة
أعرب الشيخ عن سعادته يالدنيا وكان يقول أنا جالس الآن على كرسي العرش
والعالم كله يصفق لي " وبدت الدهشة على وجه الخادمة والشيخ يهم بالوقوف
متجها إلى الدور الأول حيث توجد غرفة نومه وسألته إن كان يريد النوم الآن
وقال لها " أنا ماشي في دفنة فاطمة ( اسم زوجة فضيلة الشيخ ) لأنها ماتت "
وتعجبت الخادمة (وكانت زوجته مازالت على قيد الحياة ) وعندما وصل إلى حجرة
نومه جلس على السرير ينادي ابنته التي كانت معه في طنطا وقالت له الخادمة
أنا اسمي " سراري " فقال لها" تعالي يابنتي شوفي إيه اللي في دماغي " وأخذ
يدها بيده وحاول أن يصل بها إلى رأسه - ووقعت اليدان إلى أسفل . ظنت
الخادمة أنه مرهق من السفر ويريد النوم وكان تنفسه طبيعيا ولم تعلم الخادمة
بأنه أصيب بانفجار في المخ وأن الشلل قد تسلل إلى جسده فتركته نائما في
غيبوبة إلى اليوم التالي حتى الساعة الثانية والنصف ظهرا وكانت تدخل عليه
بين الحين والآخر وتلاحظ أنه يتنفس عاديا فتتركه نائما.
إتصل أحد أصدقاء الشيخ تليفونيا
بالمنزل وسمع بالواقعة وأحضر معه الأطباء . ونقل إلى المستشفى بالإسكندرية
في غيبوبة تامة وفشل الطب في انقاذه. عليه رحمة الله.