الدرس التاسع والعشرون
الشبهة الثانية: مجموعة من الروايات المروية عن بعض الصحابة أو ائمة أهل البيت(عليهم السلام) التي توحي بوقوع التحريف، وهي مختلفة في دلالاتها، لذلك نذكرها بأقسامها:
القسم الأول: الروايات التي تستخدم لفظة التحريف، وهي عشرون رواية(1)، منها:
1 - ما عن علي بن إبراهيم القمي، بإسناده عن أبي ذر قال: "لما نزلت هذه الآية ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾(2) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): ترد أمتي عليّ يوم القيامة على خمس رايات - ثم ذكر ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يسأل الرايات عمّا فعلوا بالثقلين - فتقول الراية الأولى: أما الأكبر فحرّفناه ونبذناه وراء ظهورنا، وأمّا الأصغر فعاديناه وابغضناه وظلمناه. وتقول الراية الثانية: أمّا الأكبر فحرّفناه ومزّقناه وخالفناه، وأمّا الأصغر فعاديناه وقاتلناه.
2 - ما عن ابن طاووس والسيد المحدّث الجزائري بإسنادهما عن الحسن بن الساهري في حديث طويل ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لحذيفة فيما قاله في من يهتك الحرم: "انّه يضلّ الناس عن سبيل الله ويحرّف كتابه، ويغيّر سنّتي".
3 - ما عن سعد بن عبدالله القمي، بإسناده عن جابر الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: "دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، فقال: "أيها الناس انّي تارك فيكم الثقلين، ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي، والكعبة البيت الحرام" ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): أمّا الكتاب فحرّفوا، وأمّا الكعبة فهدموا، واما العترة فقتلوا، وكل ودائع الله قد نبذوا منها قد تبروا".
4 - ما عن الصدوق في الخصال بإسناده عن جابر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)، قال: يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون الى الله عزّ وجلّ: المصحف، والمسجد، والعترة، يقول المصحف يا ربّ حرّقوني ومزقوني، ويقول المسجد يا رب عطلوني وضيّعوني، وتقول العترة يا رب قتلونا وطردونا وشرّدونا.
5 - ما عن الكافي والصدوق بإسنادهما عن علي بن سويد قال كتبت الى أبي الحسن موسى (عليه السلام) وهو في الحبس كتاباً... الى أن ذكر جوابه (عليه السلام) بتمامه، وفيه قوله (عليه السلام): أؤتمنوا على كتاب الله فحرّفوه وبدّلوه.
6 - ما عن ابن شهرآشوب بإسناده عن عبدالله في خطبة الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم عاشوراء وفيها: إنّما أنتم من طواغيت الأمّة وشذّاذ الأحزاب ونبذة الكتاب ونفثة الشيطان وعصبة الآثام، ومحرّفي الكتاب.
7 - ما عن الحجال عن قطبة بن ميمون عن عبدالأعلى، قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): أصحاب العربية يحرّفون كلام الله عزّوجل عن مواضعه.
ويمكن المناقشة في الاستدلال بهذه الروايات على التحريف فنقول: أمّا الرواية الأخيرة فهي تشير الى بعض علماء العربية الذين كانوا يتلاعبون بالنصوص القرآنية على أساس اجتهاداتهم في علوم العربية، وتشير روايات الجمهور الى وجود هذه الفكرة لدى البعض، وربّما انتشارها، وفي بعض نصوصهم نسبتها الى عدد من الصحابة والتابعين..
منها: ما أخرجه الطبري في التفسير عن ابن عباس انّه كان يقرأ (أفلم يتبيّن الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً).
قيل له: انّه في المصحف (أفلم ييأس) قال: أظنّ الكاتب كتبها وهو ناعس، وقال ابن جريح: زعم ابن كثير وغيره انّها في القراءة الأولى "أفلم يتبيّن"(3) قال ابن حجر هذا الحديث رواه الطبري بإسناد صحيح، كلهم من رجال البخاري"(4).
ومنها: ما زعمه عروة بن الزبير بشأن اللحن في الآيات الثلاث التالية:
1 - في سورة طه: 63 (إنّ هذان لساحران).
2 - في سورة المائدة: 69 (إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون).
3 - في سورة النساء: 162 (لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة).
قال: سألت عائشة عن ذلك فقالت: يا بن اختي، هذا عمل الكتّاب أخطأوا في الكتابة، قال جلال الدين السيوطي: إسناد صحيح على شرط الشيخين(5).
وعن أبي خالد قال قيل لأبان بن عثمان كيف صارت (والمقيمين الصلاة) وما بين يديها وما خلفها رفع؟ قال: من قِبَل الكاتب، كتب ما قبلها، ثم سأل المملي: ما اكتب قال: اكتب المقيمين الصلاة، فكتب ما قيل له(6).
وهناك روايات عديدة تؤكد ان بعض علماء العربية كان يطبق اجتهاده على القرآن، ومن الواضح ان هذا سلوك غير سليم يؤدي الى التحريف وتغيير النص القرآني.
1- راجع البيان: 242.
2- سورة آل عمران: 106.
3- جامع البيان: 13 104.
4- فتح الباري: 8 282.
5- الاتقان: 1 182، الطبعة الاولى.
6- المصاحف للسجستاني: 33.